أما إذا اتحد المخرج؛ بأن يكون الحديث حديثًا واحدًا، روي عن شيخ واحد، بإسنادٍ واحد، عن صحابيٍّ واحد، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وقد وقع الخلاف بين أصحاب ذلك الشيخ؛ فبعضهم روى الحديث عنه فزاد في المتن زيادة لم يذكرها عنه بقية الرواة؛ فهنا تأتي مسألة "زيادة الثقة" التي تكثر في كلام علماء الحديث، ويكثر لجوؤهم فيها إلى الترجيح، فتارة يقبلونها، وتارة يردونها، بحسب القرائن المحتفة.
والزيادة في هذه الصورة، رغم وقوعها في المتن المنسوب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلا أنهم يتعاملون معها على أنها من المضاف إلى اللراوي، لا من المضاف إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ولهذا هم لا يتوقفون في ردِّها -إذا ترجح لهم ردُّها- على كونها وقعت منافية، إذ قد لا تكون منافية، ومع ذلك أخطأ الراوي الذي زادها في الحديث، والصواب أنها ليست من الحديث، كما هو الشأن في الزيادات الإسنادية، والتي سبق بيان شأنها.
فنقطة البحث هاهنا: هذا الشيخ الذي وقع عليه الاختلاف من قِبَل الرواة عنه في ذكر هذه الزيادة: هل ذَكَر في روايته تلك الزيادة فعلاً، أم أن من زادها عنه أخطأ عليه؟
وإذا كان الأمر كذلك، فاستقامة تلك الزيادة، وعدم نكارتها من حيث المعنى، وعدم منافاتها لغيرها من باقي الرواية أو الروايات الأخرى؛ لا يلزم منه أن يكون الشيخ حدَّث بها في حديثه بالفعل؛ إذ قد تكون الزيادة إنما زادها من زادها فهمًا منه، وقد يكون فهمُهُ صحيحًا غير منافٍ لما تضمنته الرواية أو الروايات الأخرى.
شأن ذلك شأن كثير من الروايات المدرجة، وهي التي ذكر فيها قول بعض الرواة مع قول النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير فصل، فهذا القدر المدرج في الحديث، والذي هو في الواقع ليس من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنما هو من قول الراوي، أكثر ما يكون مستقيم المعنى غير منافٍ للحديث، ومع ذلك يحكم الأئمة بإدراجه، وأنه من قول الراوي وليس من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد يكون الراوي إنما قال هذا القول -الذي أدرج بعد ذلك في الحديث- فهمًا منه للحديث، أو تفريعًا عليه، أو استنباطًا منه، وقد أصاب في ذلك؛ فلم يقع كلامه منافيًا للحديث لذلك.
بل قد يكون ما قاله الراوي من قِبَل نفسه يحتمله لفظ الحديث، لكنه ليس صريحًا فيه، فقد يكون لفظ الحديث يحتمل أكثر من معنى، فيفسره الراوي على بعض معانيه، فهو -من هذه الحيثية- غير منافٍ للحديث، لكن هذا شيءٌ وثبوت هذا المعنى -صريحًا- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيءٌ آخر.
كما في حديث شعبة عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج". فهكذا رواه الناس عن العلاء، وهكذا رواه أصحاب شعبة عن شعبة، وخالفهم وهب بن جرير، فرواه عن شعبة بلفظ: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب".
فلما فهم وهب بن جرير من "الخداج" عدم الإجزاء، رواه بالمعنى الذي فهمه، وليس الأمر كذلك، بل "الخداج" يحتمل هذا ويحتمل أيضًا عدم الكمال، ولهذا كان هذا اللفظ الذي جاء به وهب شاذًّا عند الحفاظ، كما سيأتي في "نوع المضطرب".
بل ربما تكون تلك الزيادة الواقعة في هذا الحديث عن هذا الشيخ محفوظةً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن في حديث آخر، أخطأ الراوي حيث زادها في جملة هذا الحديث عن هذا الشيخ؛ ولا شك أنها -من هذه الحيثية- مستقيمة المعنى غير منافية، كيف لا وهي صحيحة ثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن في حديث آخر؟!
لكنها -مع ذلك- هي في هذا الحديث خاصة، عن هذا الشيخ خاصة؛ خطأ لم يحدث بها الشيخ، فمن يقبل كل زيادة غير منافية، يجرُّه ذلك إلى قبول مثل هذه الزيادة الواقعة في مثل هذا الحديث خطأ ممن أدخلها فيه من حديث آخر، والصواب أنها ليست من جملة هذا الحديث، بل من حديث آخر.
قال الحافظ ابن حجر -كما سيأتي في "نوع المدرج"-:
"وربما وقع الحكم بالإدراج في حديث، ويكون ذلك اللفظ المدرج ثابتًا من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لكن من روايةٍ أخرى.
كما في حديث أبي موسى: "إن بين يدي الساعة أيامًا، يُرفع فيها العلم، ويظهر فيها الهرج؛ والهرج القتل".
¥