- وجاء في التعديل والتجريح للباجي ([48]): (قال ابن الجنيد: سُئل النسائي عن حماد بن سلمة فقال: (لا بأس به). وقد كان قبل ذلك قال فيه: (ثقة). قال القاسم بن مسعدة: فكلمتُه فيه فقال: (ومن يجترئ يتكلّم فيه، لم يكن عند القطان هناك، ولكنه روى عنه أحاديث دَارَى بها أهل البصرة). ثم جعل يذكر النسائي الأحاديث التي انفرد بها في التشبيه، كأنه خاف أن يقول الناس: إنه تكلم في حماد من طريقها، ثم قال: حمقى أصحاب الحديث. وذكر من حديث حماد منكراً عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: إذا سمع أحدكم الأذان والإناء على يده).
أقول وبالله التوفيق: أولاً: الجواب على كلام القطان:
من وجوه:
1 - أن يحيى بن سعيد القطان روى عن حماد بن سلمة، وكان الغالب لا يروي إلا عن ثقة عنده. قال القطان: كنت أجي إلى حماد بن سلمة وما عنده كتاب. قال ابن المديني: سنة كم؟ قال: بعد الهزيمة بقليل، وكنت أحد أطراف من عمرو صاحب الهروي. وكان يأتيه يزيد بن زريع تلك الأيام وأبو عوانة والسامي يكتب لهم. وقال القطان أيضاً: كان حماد بن سلمة يفيدني عن محمد بن زياد. قال ابن المديني: حماد كان يفيدك؟ قال القطان: فيما أعلم ([49]).
2 - أن يحيى بن سعيد القطان كان شديد التزكية، حتى قال: لولم أرو إلا عن من هو ثقة عندي، لم أرو إلا عن خمسة أو نحو ذلك ([50]).
3 - أن يحيى بن سعيد القطان قد أثنى على حماد بن سلمة. قال عفان بن مسلم: اختلف أصحابنا في سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة، فصرنا إلى خالد بن الحارث فسألناه، فقال: حماد أحسنهما حديثاً وأثبتهما لزوماً للسنة. قال عفان: فرجعنا إلى يحيى بن سعيد فأخبرناه، فقال: قال لكم وأحفظهما؟ قال: فقلنا ما قال إلا ما أخبرناك ([51]).
4 - أن يحيى بن سعيد القطان قد فصّل في حديث حماد بن سلمة، حيث قال: حماد بن سلمة عن زياد الأعلم وقيس بن سعد ليس بذاك ... إن كان ما حدّث به حماد بن سلمة عن قيس بن سعد، فليس قيس بن سعد بشيء، ولكن حديث حماد بن سلمة عن الشيوخ عن ثابت، وهذا الضرب. قال ابن عدي: يعني أنه ثبتٌ فيها ([52]).
قلت: فقد أثنى هنا على رواية حماد بن سلمة عن ثابت، ومن كان مثله، أنه ثبتٌ في حديثه عنهم، ولعله يقصد من هؤلاء حميد الطويل، لقوله (وهذا الضرب).
5 - أن كلام يحيى بن سعيد القطان في رواية حماد عن قيس بن سعد وزياد الأعلم جاءت من وجه آخر عنه، كما في الوجه السابق رقم (4)، وليس فيها قوله (كذاب)، وإنما قوله (ليس بذاك)، وأنه استنكر الأحاديث التي رواها حماد بن سلمة عن قيس بن سعد.
وإسناد هذه الرواية أقوى من الأول.
وابن حماد هو الدولابي أبو بشر، وكان من الحفاظ، ومن أصحاب أبي حنيفة ([53])، وقد تكلم حماد بن سلمة في أبي حنيفة كلاماً شديداً، فقد يكون عند الدولابي بعض الميل على حماد بن سلمة.
وقد تقدم لنا أنه روى عن شيخه الثلجي القصة التي فيها الطعن على حماد، وبينت فيما تقدم أنها موضوعة.
ثانياً: الجواب على كلام النسائي:
هذه القصة تفيد أن حماد بن سلمة ثقة لا بأس به، ولكن له بعض الأخطاء والأوهام التي تنزله عن درجة الإتقان.
ودليل ذلك أن النسائي وثّقه، فقال عنه: (ثقة).
ثم سئل عنه بعد ذلك فقال: (لا بأس به).
ثم عندما كلمه القاسم بن مسعدة في حماد، فقال: (ومن يجترئ يتكلّم فيه، لم يكن عند القطان هناك، ولكنه روى عنه أحاديث دَارَى بها أهل البصرة).
ولعل مقصود النسائي بهذه الكلمة: أن من أجل مكانة حماد وجلالته، منعت النسائي أن يقول: إن لحماد أخطاءً وأوهاماً، ولهذا إشارة عندما ذكر عن حماد حديثاً منكراً، كما تقدم.
وإلا فلو كان ضعيفاً عنده لبين ضعفه، وأقول هذا من باب التنزل، وإلا فلا شك أن حماداً إمام جليل وثقة نبيل، غير أنه -كما تقدم تفصيل ذلك- ليس بالمتقن، وله بعض الأوهام والأخطاء.
وقد أحتج به النسائي في كتابه السنن، فقد أخرجه له أحاديث كثيرة.
وأما قوله: (لم يكن عند القطان هناك، ولكنه روى عنه أحاديث دَارَى بها أهل البصرة).
فمعناه أنه ليس بالضابط المتقن فيما يظهر.
وقد تقدم تفصيل القول في درجة حماد بن سلمة، عند ابن القطان.
والله تعالى أعلم.
ـ[أبو حاتم المهاجر]ــــــــ[27 - 03 - 09, 02:28 م]ـ
الفهارس
¥