وَإِذَا اِتَّضَحَ لَك مَا فِي إِيجَاب قِرَاءَة الْفَاتِحَة عَلَى الْمُؤْتَمّ الْمُدْرِك لِإِمَامِهِ حَال الرُّكُوع أَوْ بَعْده مِنْ الْمَفَاسِد الَّتِي حَدَثَتْ بِسَبَبِ وُقُوعه فِي مُخَالَفَة ثَلَاث سُنَن صِحَاح كَمَا ذَكَرْنَا , تَقَرَّرَ لَك أَنَّ الْحَقّ مَا قَدَّمْنَا لَك مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْحَالَة الَّتِي وَقَعَتْ لِلْمُؤْتَمِّ وَهِيَ إِدْرَاك إِمَامه مُشَارِفًا لِلرُّكُوعِ أَوْ رُكَّعًا أَوْ بَعْد الرُّكُوع مُخَصَّصَة مِنْ أَدِلَّة إِيجَاب قِرَاءَة الْفَاتِحَة عَلَى كُلّ مُصَلٍّ.
وَمِمَّا يُؤَيِّد مَا ذَكَرْنَا الْحَدِيث الْوَارِد " مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَام سَاجِدًا فَلْيَسْجُدْ مَعَهُ وَلَا يَعُدّ ذَلِكَ شَيْئًا " فَإِنَّ هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا يَعْتَدّ بِتِلْكَ الرَّكْعَة , وَهَذَا الْحَدِيث يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَل لَاحِقًا بِتِلْكَ الثَّلَاثَة الْأُمُور الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَيَكُون رَابِعًا لَهَا فِي الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْمَطْلُوب , وَفِي كَوْن مَنْ لَمْ يَدْخُل مَعَ الْإِمَام وَيَعْتَدّ بِذَلِكَ يَصْدُق عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ مَا يَدُلّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيث. وَفِي هَذَا الْمِقْدَار الَّذِي ذَكَرْنَا كِفَايَة , فَاشْدُدْ بِذَلِكَ وَدَعْ عَنْك مَا قَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْمَبْحَث مِنْ الْخَبْط وَالْخَلْط وَالتَّرَدُّد وَالتَّشَكُّك وَالْوَسْوَسَة. وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم. اِنْتَهَى كَلَام الشَّوْكَانِيِّ بِلَفْظِهِ وَحُرُوفه مِنْ الْفَتْح الرَّبَّانِيّ.
قَالَ شَيْخنَا الْعَلَّامَة حُسَيْن بْن مُحْسِن الْأَنْصَارِيّ: وَقَدْ كَتَبَ فِي هَذِهِ فِي فَتَاوَاهُ أَرْبَعَة سُؤَالَات , وَقَدْ أَجَابَ عَنْهَا , وَهَذَا آخِرهَا , وَهُوَ الَّذِي اِرْتَضَاهُ كَمَا تَرَاهُ , وَاسْم الْفَتَاوَى الْفَتْح الرَّبَّانِيّ فِي فَتَاوَى الْإِمَام مُحَمَّد بْن عَلِيّ الشَّوْكَانِيِّ سَمَّاهُ بِذَلِكَ وَلَده الْعَلَّامَة شَيْخنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ الشَّوْكَانِيّ حَرَّرَهُ الْفَقِير إِلَى اللَّه تَعَالَى حُسَيْن بْن مُحْسِن الْخَزْرَجِيّ السَّعْدِيّ. اِنْتَهَى. وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَام فِي غَايَة الْمَقْصُود , وَهَذَا مُلْتَقَط مِنْهُ , وَاَللَّه أَعْلَم.
(فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاة)
: قَالَ اِبْن أَرْسَلَان: الْمُرَاد بِالصَّلَاةِ هُنَا الرَّكْعَة , أَيْ ضَحَّتْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَة وَحَصَلَ لَهُ فَضِيلَتهَا. اِنْتَهَى.
قُلْت: إِذَا أُرِيدَ بِالرَّكْعَةِ مَعْنَاهَا الْمَجَازِيّ , أَيْ الرُّكُوع , فَإِرَادَة الرَّكْعَة بِالصَّلَاةِ ظَاهِر , وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِالرَّكْعَةِ مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيّ فَلَا. وَقِيلَ ثَوَاب الْجَمَاعَة. قَالَ اِبْن الْمَلَك: وَقِيلَ الْمُرَاد صَلَاة الْجُمُعَة وَإِلَّا فَغَيْرهَا يَحْصُل ثَوَاب الْجَمَاعَة فِيهِ بِإِدْرَاكِ جُزْء مِنْ الصَّلَاة. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَمَذْهَب مَالِك أَنَّهُ لَا يَحْصُل فَضِيلَة الْجَمَاعَة إِلَّا بِإِدْرَاكِ رَكْعَة تَامَّة , سَوَاء فِي الْجُمُعَة وَغَيْرهَا. كَذَا فِي الْمِرْقَاة.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
الفقير إلى الله محمد الشعلان