وهذا التعريف يتوافق مع تقسيم الجمهور الثنائي: متواتر وآحاد، وتضاف إليه كلمة المشهور ليتوافق مع تعريف الحنفية ذي التقسيم الثلاثي: متواتر، و مشهور وآحاد.
فيكون تعريف الحنفية (19) كالتالي: حديث الآحاد هو الذي لم ينته بنفسه إلى حد التواتر أو المشهور ولم يقصر عن درجة الاحتجاج به، وأغلب الأحاديث المنقولة إلينا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ثبتت عن طريق الآحاد (20).
وحكم خبر الآحاد أنه حجة يجب العمل به عند الجمهور، وشذ عن ذلك القاساني (21) والرافضة، وابن داود (22) فقالوا: لا يجب العمل به (23).
قال الإمام الشوكاني: " ... وقد أجمع الصحابة والتابعون على الاستدلال بخبر الآحاد، وشاع ذلك وانتشر ولم ينكره أحد ولو أنكره منكر لنقل إلينا" ثم قال: " ولم يأت من خالف في العمل بخبر الواحد بشيئ يصلح للتمسك به، ومن تتبع عمل الصحابة من لخلفاء وغيرهم، وعمل التابعين فتابعيهم بأخبار الآحاد وجد ذلك في غاية الكثرة بحيث لا يتسع له مصنف" (24).
أثر معارضة خبر الآحاد للحديث المشهور في الفروع الفقهية:
وقد كان لخلاف الحنفية مع الجمهور في تقسيم الأخبار تقسيما ثلاثيا: خبر متواتر، و خبر مشهور و خبر آحاد، أنه في حالة تعارض الخبر المشهور مع خبر الآحاد فإن الحنفية يقدمون الخبر المشهور على خبر الآحاد، قال الإمام السرخسي (25): " وإنما سواء السبيل ما ذهب إليه علماؤنا رحمهم الله من إنزال كل حجة منزلتها، فإنهم جعلوا الكتاب والسنة المشهورة أصلا ثم خرجوا عليهما ما فيه بعض الشبهة، وهو المروي بطريق الآحاد مما لم يشتهر فما كان منه موافقا للمشهور قبلوه، وما لم يجدوا في الكتاب ولا في السنة المشهورة له ذكرا قبلوه وأوجبوا العمل به، وما كان مخالفا لهما ردوه" (26).
اما المهور فلا فرق عندهم بين الخبرين إذ كل واحد منهما خبر آحاد، وإننا نلمس بعض آثار الخلاف في ذلك الأصل في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: القضاء بشاهد ويمين
ذهب الأئمة مالك (27) والشافعي (28) وأحمد (29) وغيرهم من الفقهاء إلى انه يِقضى باليمين مع الشاهد في قضايا الأموال، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر (30) وابن شبرمة لا يُحكم إلا بشاهدين ولا يُقبل شاهد ويمين في شيء. (31)
احتج الفقهاء القائلون بجواز القضاء بالشاهد واليمين بحديث" قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاهد واليمين" (32). وأحتج الحنفية بقوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} (البقرة:282).
ووجه الاستدلال من الآية الكريمة أنها تضمنت استشهاد الشاهدين أو الرجل والمرأتين فقد ألزم الله الحاكم الحكم بالعدد المذكور، وذلك مثل {فاجلدوهم ثمانين جلدة} (النور: الآية 4) فلم يجز الاقتصار على ما دون العدد المذكور، كذلك العدد المذكور للشهادة غير جائز الاقتصار فيه على ما دونه. (33)
ولم يعمل الحنفية بحديث الشاهد واليمين، وأجابوا عن ذلك من عدة أوجه:
1 – منها قاعدة الزيادة على النص نسخ، قال أبو بكر الرازي الجصاص: " ... إذ غير جائز نسخ القرآن [الكريم] بأخبار الآحاد، ووجه النسخ منه أن المفهوم منه الذي لا يرتاب به أحد من سامعي الآية، من أهل اللغة حظر قبول من شاهدين أو رجل وامرأتين، وفي استعمال هذا الخبر ترك موجب الآية والاقتصار على أقل من العدد المذكور".
2 – قاعدة مخالفة حديث الآحاد للسنة المشهورة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعي، واليمين على من أنكر" (34) من وجهين:
أحدهما: أن في هذا الحديث بيان أن اليمين في جانب المنكر دون الدعي.
والثاني: أن فيه بيان أنه لا يجمع بين اليمين والبينة، فلا تصلح اليمين في جانب المنكر دون المدعي (35).
ويجاب على هذا الاستدلال من الحنفية بأن الحديث النبوي الشريف إذا صح صار قاعدة بنفسه، ولا سبيل الى رده بأية قاعدة من القواعد، وقد صح حديث القضاء بالشاهد، واليمين وهو في صحيح مسلم، فلا مطعن في جواز القضاء بالشاهد واليمين.
المسألة الثانية: بيع الرطب بالتمر
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلا أنه لا يجوز بيع الرطب بالتمر.
وذهب الى جواز بيع الرطب بالتمر أبو حنيفة وخالفه في ذلك صاحباه فقالا: بعدم جوازه كالفقهاء السابقين (36).
¥