تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

احتج جمهور العلماء القائلين بعدم الجواز بحديث سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يُسأَلُ عن إشتراء التمر بالرطب فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا: نعم، فنهى عن ذلك.

حيث قالوا: نص النبي عليه الصلاة والسلام على الحكم ونبه على العلة. وأحتج أبو حنيفة بأنه أهدى إليه عامل خيبر رطبا، فقال: " أكل تمر خيبر هكذا؟ "، ووجه الاستدلال أنه سمى الرطب تمرا، وبيع التمر بمثله جائز. ولم يعمل أبو حنيفة بحديث: أينقص الرطب إذا يبس، فقالوا: نعم، فقال: فلا إذا، لأنه مخالف للسنة المشهورة. قال أبو بكر السرخسي: ولهذا الأصل لم يعمل أبو حنيفة بخبر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في بيع الرطب بالتمر: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: أينقص الرطب إذا جف؟ قالوا: نعم، قال: فلا إذا، لأنه مخالف للسنة المشهورة، وهي قوله عليه الصلاة والسلام: " التمر بالتمر مثل بمثل" من وجهين:

- أحدهما: أن فيها اشتراط المماثلة في الكيل مطلقا لجواز العقد، فالتقييد باشتراط الممثلة في أعدل الأحوال وهو بعد الجفوف يكون زيادة.

- والثاني: أنه جعل فضلا يظهر بالكيل هو الحرام في السنة المشهورة، فجعل فضل يظهر عند فوات فصل مرغوب فيه ربًا حراما، يكون مخالفا لذلك الحكم.

المسألة الثالثة: نصاب زكاة الزروع والثمار

اختلف الفقهاء في نصاب وجوب الزكاة فيما يخرج من الأرض فذهب جمهر الفقهاء من مالكية وشافعية وحنابلة إلى أن الزكاة لا تجب فيما يخرج من الأرض إلى أن يبلغ نصابا قدرة خمسة أوسق ولا تجب فيما هو أقل من ذلك.

وذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى إلى عدم اشتراط نصاب معين، فزكاة الحبوب والثمار تجب في الكثير والقليل على حد سواء.

احتج الجمهور بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة" واحتج الحنفية بعموم حديث سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم " فيما سقت السماء والعيون أو كان غثريا العشر وما سقى بالنضح نصف العشر". ورجحوا حديث سالم هذا على حديث أبي سعيد الخدري " ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة" لأن حديث سالم حديث مشهور، فيرجح على حديث أبي سعيد الخدري لأنه خبر آحاد.

هذا ولهذه المسألة أدلة وقواعد أخرى تحكمها، اكتفينا منها بالقاعدة التي تتعلق ببحثنا هذا وهي قاعدة تقديم الحديث المشهور على حديث الآحاد.

الخاتمة:

للجمهور أن يصطلحوا على ما شاءوا، وللحنفية أن يصطلحوا على ما شاءوا، فإنه لا مشاحة في الاصطلاح، ولمن شاء أن يصطلح على ما شاء بعد رعاية المناسبة. وسواء كان تقسيم الحديث النبوي الشريف من حيث السند ثنائيا (متواتر، آحاد) كما ذهب إلى ذلك جمهور العلماء من مالكية وشافعية وحنابلة، أو كان تقسيما ثلاثيا (متواتر، آحاد، مشهور) كما قرر الحنفية ذلك، إلا أن الراجح في المسائل الثلاث المذكورة في هذا البحث وهي: القضاء بشاهد ويمين، وبيع الرطب بالتمر، و نصاب زكاة الزروع والثمار، لا يسعف الحنفية في ترجيح مذهبهم فيها، لأن هذه المسائل قد صحت الأحاديث النبوية الشريفة فيها، وإذا صح الحديث النبوي الشريف صار قاعدة بنفسه، ولا سبيل على رده بأية قاعدة من القواعد، لأن قاعدة النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة على غيرها من قواعد العلماء المجتهدين، إذ أن قاعدة النبي صلى الله عليه مستمدة من الوحي المعصوم، وقاعدة غيره من العلماء المجتهدين مستمدة من اجتهادهم، الذي يخطئ ويصيب، وما هو معصوم مقدم على ما هو غير معصوم.

مجلة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية– الجزائر

العدد 19:رمضان 1426هـ/ أكتوبر 2005م.

الهوامش:


1 - ابن جزي ابو القاسم أحمد بن محمد: تقريب الوصول الى علم الأصول – تحقيق محمد علي فركوس – ط1 (1410هـ/ 1990م) دار التراث الاسلامي الجزائر، ص 119. الشيرازي ابو اسحاق ابراهيم بن علي: اللمع في أصول الفقه – تحقيق محي الدين ديب مستو-، يوسف علي بديوي – ط1 (1416هـ/ 1995م) – دار الكلم الطيب دمشق، ودار ابن كثير ص 151. ابن بدران عبد القادر: المدخل الى مذهب الامام احمد بن حنبل – تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي – ط3 (1405هـ/ 1985م) مؤسسة الرسالة بيروت لبنان 2/ 5 - 13).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير