تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت:ويضاف للأدلة التي ذكرها البخاري رحمه الله تعالى ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها:"أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق، فاشترطوا ولاءها، فذكرت ذلك لرسول الله ?، فقال:اشتريها وأعتقيها، فإن الولاء لمن أعتق".

ووجه الاستدلال أن عائشة رضي الله تعالى عنها أرادت أن تشتري بريرة ولم تستأذن رسول الله ? في ذلك، ولم يستدرك عليها ذلك، وذكر النووي رحمه الله تعالى في فوائد هذا الحديث:"جواز تصرف المرأة في مالها بالشراء والإعتاق وغيره، إذا كانت رشيدة".

وما أخرجه الشيخان أيضا من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال:"قام النبي ? يوم الفطر فصلى، فبدأ بالصلاة، ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن، وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه يلقي فيه النساء الصدقة، قلت: (القائل ابن جريج) لعطاء (الراوي عن جابر):زكاة الفطر؟ قال:لا، ولكن صدقة يتصدقن حينئذ، تلقي فتخها ويُلقين ... " الحديث، وأخرجاه أيضا من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

قال النووي:"وفي هذا الحديث جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها، ولا يتوقف ذلك على ثلث مالها، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور ... ودليلنا من الحديث أن النبي ? لم يسألهن أستأذن أزواجهن في ذلك أم لا؟ وهل هو خارج من الثلث أم لا؟ ولو اختلف الحكم بذلك لسأل"

الثاني:قول الإمام مالك رحمه الله تعالى، وهو أن المرأة لا يجوز لها أن تعطي من غير إذن زوجها ولو كانت رشيدة إلا من الثلث، وقد حمل مالك أدلة الجمهور على الشيء اليسير، وجعل حده الثلث فما دونه.

الثالث:قول الليث رحمه الله تعالى:وهو أن لا يجوز لها أن تتصرف بغير إذن زوجها إلا في الشيء التافه.

الرابع:قول طاووس رحمه الله تعالى:وهو أن المرأة لا يجوز لها التصرف من غير إذن زوجها مطلقا، ويُحتج لقوله بحديث الباب، وبحديث واثلة مرفوعا:"ليس للمرأة أن تنتهك شيئا من مالها، إلا بإذن زوجها" (أخرجه الطبراني في الكبير وهو مخرج في صحيح الجامع وصححه الألباني 2/ 955)

مناقشة الأقوال الواردة في المسألة:

الأخذ بقول الجمهور فيه إهدار لما دل عليه حديث الباب:"لا يجوز لامرأة ... "، والأحاديث الموافقة له أو الشاهدة، وهذا الإهدار الكلي لا يصلح إلا إذا كان الحديث لا يصلح للاحتجاج:إما لضعفه أو شذوذه، أو غير ذلك مما يرد به العمل بالحديث، والحديث على ما مر بنا ليس ضعيفا، ولا شاذا، ولا منسوخا، وعلى ذلك فالحجة به قائمة.

ويجاب على ما احتج به الجمهور بما يلي:

أولا:حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في صلاة العيد أن الرسول ? قال للنساء:"تصدقن" وهو أمر مباشر من الرسول ? لهن بالصدقة، وفيه أيضا:"فأمرهن بالصدقة"، وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنه قال لهن:" تصدقن"، فإذا كان الرسول ? قال لهن مواجهة "تصدقن"، و"أمرهن بالصدقة"، فلا يعارض حديث الباب بهذا؛ لأنهن تصدقن عن أمر رسول الله ?، وما كان لهن أن يتوقفن عن تلبية أمره وهو يأمرهن، حتى يستأذن أزواجهن، وقد قال الله تعالى في كتابه:"يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم"، وقال تعال:"وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم".

وعن أبي سعيد بن المعلى قال مر بي النبي ? وأنا أصلي فدعاني، فلم آته حتى صليت ثم أتيت، فقال:ما منعك أن تأتيني؟، فقلت:كنت أصلي، فقال:ألم يقل الله:يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ".

ثانيا: وأما حديث ميمونة في العتق، وكذلك كل الأحاديث الواردة في التصرفات المالية من النساء بالهبة والعطاء من غير إذن الأزواج، فعلى من يحتج بها في معارضة حديث الباب، أن يثبت أن ذلك كان بعد حديث الباب، ولو قلنا:إن تلك الوقائع كانت قبل حديث الباب وأن حديث الباب كان متأخرا عنها، لكان ذلك متجها لأمرين، الأول:لما ورد في بعض طرق حديث الباب أن ذلك كان في فتح مكة، والثاني:لأن هذه الوقائع جاءت على حكم الأصل، وأما حديث الباب فهو ناقل عن حكم الأصل، مما يدعم كونه متأخرا، ولكن نظرا أنه لا سبيل عندنا للقطع بمعرفة المتقدم والمتأخر من ذلك، فليس أمامنا إلا أن نسلك سبيل الجمع بين الأحاديث، فإذا تعذر الجمع لجأنا إلى الترجيح، ويقدم الجمع على الترجيح

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير