تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عند الأصوليين؛ لأن إعمال الدليلين معا أولى من إهمال أحدهما.

ثالثا:حديث جابر وابن عباس في الصدقة، وحديث ميمونة في العتق، وما شابهها وقائع أعيان، ووقائع الأعيان كما هو مقرر في أصول الفقه ليس لها عموم، وهي بذلك لا تقوى على معارضة الأحاديث العامة التي تدل على خلاف ما دلت عليه تلك الوقائع، ومنها حديث الباب فإنه حديث عام لا يختص بواقعة معينة، وعلى ذلك فإنه ينبغي أن يُجتهد في فهم النوعين من الأحاديث:الأحاديث العامة وأحاديث وقائع الأعيان، حتى يمكن العمل بهما جميعا كل نوع فيما يصلح له، ولو قدر تعارض النوعين من كل وجه، ولم يُعرف التاريخ حتى يُعلم المتقدم من المتأخر ومن ثم الناسخ والمنسوخ،ولم يمكن الجمع بين الدليلين، لوجب ترجيح اللفظ العام على وقائع الأعيان، وذلك أن وقائع الأعيان قد تكتنفها أحوال وقرائن-هي ليست بالضرورة ظاهرة لنا- قد تخرجها لو ظهرت لنا عن معارضة العام في الحقيقة.

رابعا:لو قدر التعارض من كل وجه لقلنا:إن أدلة الجمهور جاءت مقررة لحكم البراءة الأصلية، بينما حديث الباب ناقل عن البراءة الأصلية، وفي مثل هذه الحالة فإن الحديث الناقل عن البراءة الأصلية يرجح عن الحديث المبقي عليها، لأن في الحديث الناقل زيادة علم، حسب ما قرره علماء الأصول.

ويمكن أن يجاب على ما قال طاووس رحمه الله تعالى بأنه قد جاءت أحاديث بوقائع تصرفت فيها النساء من غير إذن أزواجهن، وأقرهن الرسول ? على ذلك، فلا يمكن اعتماد ما قاله رحمه الله تعالى على إطلاقه.

والرأي عندي هو الجمع بين ما دلت عليه الأدلة المتقدمة جميعا، وهو ممكن بأكثر من وجه على النحو التالي:

الوجه الأول:أن يجمع بينهما بما جمع به الإمام مالك رحمه الله تعالى، لكن هذا الوجه يحتاج إلى دليل في تعيين الثلث حدا بين ما يجوز التصرف فيه وما لا يجوز، ولو وجد هذا الدليل فليس في ما استدل به الجمهور ما ينقض قول مالك، قال ابن بطال فيما نقله عنه ابن حجر:"ليس في أحاديث الباب ما يرد على مالك، لأنه يحملها على ما زاد على الثلث"، وقد علق ابن حجر على ذلك بقوله:"وهو حمل سائغ إن ثبت المدعى، وهو أنه لا يجوز لها التصرف فيما زاد على الثلث إلا بإذن زوجها، لما في ذلك من الجمع بين الأدلة، والله أعلم".

الوجه الثاني:أن يجمع بين ذلك، بأن الشيء القليل الذي تجود به النفوس وتسخو به من غير تلكؤ في الأغلب الأعم، أو التي تعلم الزوجة رضا زوجها به ولو كان كثيرا، وذلك إما من إذن سابق لها بمثل ذلك التصرف، أو لما تعلمه من عادته في مثل تلك الأحوال بحكم قربها منه، أو لما تعلمه من حبه ورغبته في الإنفاق على الجهة التي تخرج إليها المال، سواء كانت هيئة، أو أفرادا، أو قَرَابات، فإنه يجوز لها أن تتصرف فيه اعتمادا على ذلك من غير رجوع إليه، بعكس الشيء الكثير الذي لا تجود به النفوس في الأغلب الأعم، أو الذي لا تعلم الزوجة رضا الزوج به، فإنها لا تتصرف فيه إلا بعد الرجوع إلى زوجها.

الوجه الثالث:أن يقال إن التصرفات المالية بالصدقة والعتق وصلة الرحم، وما أشبه ذلك من أنواع القُرُبات، التي جاءت نصوص شرعية في خصوص فضلها وفضل الإنفاق عليها، وحضت الشريعة على فعلها، فإنه يجوز لها التصرف في ذلك من غير رجوع إلى الزوج، بعكس التصرفات بالهبة أو العطية المطلقة التي لم ترد في فضلها نصوص شرعية، فإنه لا بد فيها من استئذان الزوج، ولو نظرنا إلى الوقائع التي جاءت إجازتها من غير الرجوع إلى الأزواج، لوجدنا أنها كلها من قبيل تلك التصرفات التي جاء في خصوص فضلها نصوص شرعية كثيرة كالعتق والصدقة وصلة الرحم. وأما التصرفات المالية في المعاوضات كالبيع والشراء فليست داخلة في حديث الباب

الوجه الرابع:أن يقال إن حديث الباب هو حديث عام في منع المرأة من التصرفات المالية (التي تفقد المرأة بمقتضاها جزءا من مالها من غير عوض) بغير إذن زوجها، ويستثنى من هذا العموم كل حديث أُقِرَّ فيه التصرف بدون الرجوع إلى الزوج، ويبقى ما لم يستثن على العموم الوارد في الحديث، فيقال:ورد المنع بصيغة عامة، ثم ورد الجواز في الصدقة وفي العتاق وفي صلة الأرحام، فيستثنى ذلك من اللفظ العام، وتظل بقية التصرفات التي لم تستثن على المنع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير