تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك أورد الحافظ ابن حجر هذه الفتوى في كتابه "المنتخب" الذي جمع فيه فوائد وردت في شرح الإمام النووي لصحيح مسلم (الفائدة الثالثة، الصفحة الرابعة عشرة).

وكذلك أوردها أبو زرعة العراقي وأقرها في تكملته لكتاب "طرح التثريب" (8 ـ 215).

قلت: هذا فيمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فكيف بمن رأى أبا لهب!!! حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقارنة.

ثالثاً ـ مخالفة هذه القصة لصريح القرآن، كما قال الحافظ ابن حجر في " الفتح" (9ـ48)، وقد أجمع العقلاء من أهل الإسلام فضلاً عن علماء الأصول على عدم رد ظاهر النص القرآني في مثل هذا المنام.

قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}. [فاطر 35].

ويقول تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 75].

ويقول الله تعالى: {لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً}. [عم: 24].

وقال القاضي عياض: انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب وإن كان بعضهم أشد عذاباً من بعض. كما في " الفتح" (9ـ48).

قلت: وبيان هذا قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قلت: يا رسول الله بن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه.؟ قال: لا ينفعه إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)).

قال الإمام النووي "رحمه الله تعالى" معنوناً على هذا الحديث في صحيح مسلم: باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل.

وكذلك روى الإمام مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها)).

قال الإمام النووي "رحمه الله تعالى" معنوناً على هذا الحديث في صحيح مسلم: باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا.

رابعاً ـ إن الرواية التي في البخاري ليس فيها أن أبا لهب أعتق ثويبة يوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بشرته بمولده.

وليس فيها أن الذي رأى أبا لهب في المنام هو العباس رضي الله عنه.

وليس فيها أن يوم الولادة كان يوم الاثنين، بل هذا كله جاء في رواية السهيلي من غير إسناد نهائياً لا مقطوع ولا معلق ولا مرسل، قال: إن الرائي له هو أخوه العباس وكان ذلك بعد سنة من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر وفيه أن أبا لهب قال للعباس: إنه ليخفف عليّ في مثل يوم الاثنين، قالوا: لأنه لما بشرته ثويبة بميلاد ابن أخيه محمد بن عبد الله أعتقها من ساعته فجوزي بذلك لذلك. كما عند السهيلي في الروض الأنف (5ـ192).

وبهذا يظهر خطأ أو تدليس من أورد هذه التفاصيل مجتمعة وعزاها للبخاري.

خامساً ـ إن القول بأن اعتاق أبي لهب لثويبة كان عند ولادة النبي صلى الله عليه وسلم يخالف ما عند أهل السير من أن إعتاق أبى لهب إياها كان بعد ذلك بدهر طويل، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في " الفتح" (9ـ48) وأوضحه في كتابه " الإصابة في تمييز الصحابة" (4ـ250) وكذلك الحافظ ابن عبد البر في كتابه "الاستيعاب في أسماء الأصحاب" (1ـ12) والحافظ ابن الجوزي في كتابه "الوفا بأحوال المصطفى" (1ـ106).

سادساً ـ وعلى فرض ثبوت جواز جزاء الكافر على أعماله الحسنة في مثل هذه الحالة، فإنها تنصرف إلى الإعتاق الذي هو عبادة أصيلة في الشرع، وليس إلى الفرح بالمولود والذي لم يقل أحد من أهل العلم بأنه عبادة أو من القرب.

وعلى فرض أننا أخذنا بظاهر الرواية وتغاضينا عما يردها، فإن ظاهر القصة يؤكد أن أبا لهب خفف عنه للإعتاق وليس للفرح بالمولود، خاصة وأن فرح أبي لهب لم يكن بولادة النبي المرسل، بل بولادة ابن أخيه، بل إن أبا لهب من أشد من كذبه وكفر بنبوته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير