أَنْوَاعُ الكَذِبِ فِي الرِّوَايَةِ
ـ[أشرف بن صالح العشري]ــــــــ[21 - 07 - 07, 10:22 م]ـ
أَنْوَاعُ الكَذِبِ فِي الرِّوَايَةِ
- اعلم ـ رحمك اللَّهُ وإيَّاى ـ أنَّ الكذبَ نوعان:
الأوَّلُ: كذبٌ غيرُ متعَمَّدٍ: ويقع فيه طائفةٌ من النَّاس كالصالحين، والعُبَّادِ، والزُّهَّاد ممَّن أخذتهم العبادةُ والصَّلاحُ؛ فأهملوا مرويَّاتهم، فدخل عليها ما ليس منها؛ فاستحقُّوا بذلك التركَ:
قال يحيى القطانُ: ((ما رأيتُ الصالحينَ في شيءٍ أكذبُ منهم في الحديثِ)).
خرَّجه مسلمٌ في مقدِّمةِ ((كتابِهِ الصَّحيحِ))، وابنُ عديٍّ في ((الكاملِ)) [1/ 151]، والخطيبُ في ((الجامعِ)) [1607]، وفي ((التاريخِ)) [2/ 98]، وفي ((الكفايةِ)) [ص/158] من طريق عفَّان عن ابنِ يحيى بنِ سعيدٍ أنَّه سمع أباه يقول، وذكره. وذكره الحافظُ أبو الفرجِ زينُ الدِّين بنُ رجبٍ الحنبليُّ ـ رحمه اللَّه تعالى ـ في ((شرحِ عللِ الترمذيِّ)) [1/ 389].
وهو في ((العللِ ومعرفة الرجال)) للإمام أحمدَ بروايةِ ولدِهِ عبدِ اللَِّه [2989]، ومن طريق عبدِ اللَّهِ ابنُ عديٍّ في ((الكامل)) 1/ 151]، وذكره أبو جعفرٍ العقيليُّ في ((الضعفاءِ)) [1/ 14].
وخرَّجه أبو يعلى الخليلُ في ((الإرشاد)) [1/ 171ـ172] من طريق عليِّ بنِ المدينيِّ، قال سُئل يحيى بنُ سعيد القطان عن مالك بنِ دينارٍ، ومحمَّد بنِ واسعٍ، وحسَّان بنِ أبي سنانٍ، قال: ((ما رأيتُ الصالحين في شيءٍ أكذبُ منهم في الحديثِ؛ لأنهم يكتبونَ عن كلِّ من يلقونَ لا تمييز لهم فيه))، وذكره الحافظُ أبو الفرجِ زَيْنُ الدّين بنُ رجبٍ ـ رحمه اللَّه تعالى ـ في ((شرح علل الترمذيِّ)) [1/ 389] أيضاً.
وإسنادُ الأوَّلِ صحيحٌ، والثاني حَسَنٌ، وإن كان شطرُهُ الثاني لا يُعجبني؛ فإنَّه من رواية أحمد بن كامل، وهو القاضي غمزه أبو الحسن الدارقطنيُّ كما في سُؤالاتِ ((حمزةَ السَّهْمِيِّ له)) [176]، و ((أبي عبدِ الرحمن السُّلَميِّ)) [15]، فوصفَه بالتساهلِ في الرِّوايةِ، قال: وأهلكه العُجبُ، وبأنَّه لا يُعدُّ لأحدٍ وزناً من الفقهاءِ وغيرهم ـ نعوذ باللَّه تعالى من العجب، ونسأله أن يجعلنا دائماً تحت بسَاطِ العلماءِ ـ.
وقولُ يحيى ذكره أبو عبدِ اللَّهِ ابنُ الذهبيِّ (وهو الذهبيُّ) في ((الميزانِ)) [8291] في ترجمة محمَّدِ بنِ واسعٍ ـ رحمه اللَّه ـ، بلفظ أبي يعلى الخليلِ وإسنادِهِ، لكن وقع عنده: ((يكتبونَ عن كلِّ أحدٍ)).
وخرَّجه عبدُ اللَّهِ بنُ الإمامِ أحمدَ في ((العللِ)) [2988]، ومن طريقه ابنُ حبَّان في تقدمتِهِ لـ ((المجروحين)) [1/ 67]، وأبو جعفر العُقَيليُّ في ((الضعفاء)) [1/ 14]، والحاكم أبو عبدِ اللَّهِ في ((المدخلِ إلى معرفة كتابِ الإِكليلِ)) [37]، وابنُ الجوزيِّ في ((الموضوعاتِ)) [1/ 25]، وابنُ عبدِ البرِّ في ((التمهيد)) [1/ 52] عن عُبيدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ القَوَاريرِيِّ، قال سمعتُ يحيى بنَ سعيدٍ يقول: ((ما رأيتُ الكذبَ في أحدٍ أكثرَ منه فيمن يُنسبُ إلى خيرٍ)).
وذكر الترمذيُّ: ((أنَّه رُبَّ رجلٍ صالحٍ مجتهدٍ في العبادةِ، ولا يُقيم الشهادةَ ولا يحفظُها، وكذلك الحديثَ لسُوءِ حفظهِ وكثرةِ غفلتِهِ)).
وقال مسلمٌ ـ رحمه اللَّه ـ: ((يجري الكذبُ على ألسنتِهِم ولا يتعمدون الكذبَ)).
وروى أيضاً بإسنادٍ له عن أيُّوبَ، قال: ((إنَّ لي جاراً ـ ثم ذكر من فضلِهِ ـ، ولو شَهد [عندي] على تمرتين ما رأيتُ شهادتَهُ جائزةٌ)).
وروى ابنُ عديٍ في ((الكامل)) بإسنادِهِ عن أبي عاصمٍ النَّبيلِ الضَّحَّاكِ بنِ مَخْلَدٍ الشَّيْبانِيِّ، قال:
((ما رأيتُ الصالحَ يكذبُ في شيءٍ أكثرُ منَ الحديثِ)).
وروى ابنُ أبي حاتمٍ في تقدُمةِ ((الجرحِ والتعديلِ)) [2/ 33] بإسنادِهِ عن أبِي أُسامةَ، قال: ((إنَّ الرَّجلَََ يكون صالحاً ويكون كذَّاباً))، يعني يحدِّث بما لا يحفظ.
¥