ولعل معرفة هذا الأمر مما يصعب، فلا نستطيع أن نحكم على الراوي بالتدليس في هذا الحديث من خلال الصيغة، بل نعرف ذلك بتصريح العلماء بسماعه من فلان أو عدم سماعه، وبتدليسه في هذا الحديث خاصة، أو أحاديث فلان، بناء على معرفتهم التامة
برواياته وصيغها، وخصوصاً عند المتقدمين من علماء الحديث.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله عند كلامه على تدليس (الوليد بن مسلم): " وهذا في زماننا يعسر نقده على المحدث فإن أولئك الأئمة كالبخاري، وأبي حاتم، وأبي داود، عاينوا الأصول، وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد، وفقدت العبارات المتقنة " ([33] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn33)) .
وهذا الحكم بالنسبة لتدليس الإسناد، حيث لا يقبل إلا ما صرح فيه الراوي بالسماع.
أما بالنسبة لتدليس الشيوخ، فيتوقف الحكم عليه بالكراهة، على حسب الغرض الحامل عليه، ويختلف باختلاف المقاصد.
قال السيوطي: " وتختلف الحال في كراهته بحسب غرضه، فإن كان لكون المغيّر اسمه ضعيفاً، فيدلسه حتى لا يظهر روايته عن الضعفاء، فهو شر قسم " ([34] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn34)) .
وفي هذا النوع، ينبغي تحديد اسم الراوي، والتأكد من ذلك، حتى يحكم على السند بحسب ضعفه أو ثقته.
درجة حديث المدلس:
حديث المدلس قابل للاعتضاد، ويصل إلى درجة الحسن لغيره.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: " ومتى توبع السيء الحفظ بمعتبر كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه، وكذا المختلط الذي لم يتميز، والمستور، والإسناد المرسل، كذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه، صار حديثهم حسناً لا لذاته بل بالمجموع " ([35] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn35)) .
وإلى هذا ذهب السيوطي أيضاً حيث قال: " وكذا إذا كان ضعفها لإرسال،
أو تدليس، أو جهالة حال، زال بمجيئه من وجه آخر، وكان دون الحسن لذاته " ([36] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn36)) .
ويشترط في تقوية حديث المدلس، أن لا يعرف المحذوف، فإذا عرف المحذوف، فإنه يحكم له بالحكم المناسب حسب قواعد المحدثين.
حكم رواية المدلس بالعنعنة في الصحيحين:
ذكرت فيما سبق، أن المدلس إذا صرح بالسماع ممن لقيه، فروايته متصلة، أما إذا روى بلفظ محتمل موهم للسماع، فلا يقبل منه ذلك.
ولو نظرنا إلى الصحيحين، لوجدنا جملة من أحاديث المدلسين، لم يصرح فيها
بالسماع، فالذي عليه جمهور العلماء، أن أحاديث المدلسين في الصحيحين خاصة، حكمها الصحة والاتصال، قال النووي: " وما كان في الصحيحين , وشبههما عن المدلسين (بعن) , محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى " ([37] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn37)) .
وقال السخاوي: " وأكثر العلماء أن المعنعنات التي في الصحيحين منزّلة منزلة السماع " ([38] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn38)).
وقد قبل العلماء معنعنات الصحيحين للإجماع على تلقيهما بالقبول, ولأنه عُرف وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث, إلا ما لا علة له, أو له علة إلا أنهما غير مؤثرة عندهما ([39] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn39)) .
وقد ذكر الدكتور الدميني في سبب إيراد صاحبا الصحيح لتلك الطرق المعنعنة , عدة أمور ([40] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=624773#_ftn40)) .
المبحث الثالث: من وصف ابن جريج بالتدليس في كتب خاصة بالتدليس
وصف عدد من النقاد ابن جريج بالتدليس سواء في مؤلف خاص بالتدليس, أو رويت أقوالهم في بعض كتب الرجال والضعفاء, وفيما يلي سرد لأسماء العلماء الذين وصفوا ابن جريج بالتدليس:
أولاً: من وصفه بالتدليس في مصنف خاص بالتدليس:
1 - أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ):
¥