تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الخامس: قوله إياك نعبد يقتضي حصول رتبة عظيمة للنفس بعبادة الله تعالى، وذلك يورث العجب فأردف بقوله وإياك نستعين ليدل ذلك على أن تلك الرتبة الحاصلة بسبب العبادة ما حصلت من قوة العبد، بل إنما حصلت بإعانة الله فالمقصود من ذكر قوله وإياك نستعين إزالة العجب وإفناء تلك النخوة والكبر.

-مسلكا عقليا تعامل مع ترتيب العبادة والاستعانة بمقولات عقلية منطقية:السبب/النتيجة، الوسيلة/الغاية، الشرط/المشروط ..

ونتيجة لذلك حاولوا توجيه ترتيب الآية، لأن الاعتبارات المنطقية تقتضي تقدم الاستعانة على العبادة للتقدم الطبعي للسبب على الغاية ..

وذكر ابن عاشور –رحمه الله-الوجوه التالية:

ووجهه تقديم قوله {إياك نعبد} على قوله: {وإياك نستعين} أن العبادة تقرُّب للخالق تعالى فهي أجدر بالتقديم في المناجاة، وأما الاستعانة فهي لنفع المخلوق للتيسير عليه فناسب أن يقدِّم المناجي ما هو من عزمه وصنعه على ما يسأله مما يعين على ذلك، ولأن الاستعانة بالله تتركب على كونه معبوداً للمستعين به ولأن من جملة ما تطلب الإعانة عليه العبادة فكانت متقدمة على الاستعانة في التعقل. وقد حصل من ذلك التقديم أيضاً إيفاء حق فواصل السورة المبنية على الحرف الساكن المتماثل أو القريب في مخرج اللسان.

وقال الألوسي-رحمه الله-:

الثالث في سر تقديم فعل العبادة على فعل الاستعانة وله وجوه الأول أن العبادة أمانة كما قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الامانة عَلَى * السموات والارض *والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان} [الأحزاب: 2 7] فاهتم للأداء فقدم، الثاني أنه لما نسب المتكلم العبادة إلى نفسه أوهم ذلك تبجحاً واعتداداً منه بما صدر عنه فعقبه بقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ليدل على أن العبادة مما لا تتم إلا بمعونة وتوفيق وإذن منه سبحانه، الثالث أن العبادة مما يتقرب بها العبد إلى الله تعالى والاستعانة ليست كذلك فالأول أهم، الرابع أنها وسيلة فتقدم على طلب الحاجة لأنه أدعى للإجابة.

ومهما قيل عن سبب التقدم والتأخر فإن السؤال الحري بتوجيهه للمفسرين هو:

أليست الاستعانة من العبادة؟

بلى!

ولذلك يكون توظيف مفهومي السبب والغاية هنا ضعيفا، لما يلزم عن ذلك من اقصاء للاستعانة عن دائرة العبادة .. لأن السبب لا يكون جزءا من الغاية ضرورة ...

حاصل الامر:

ليس عطف الاستعانة على العبادة من باب عطف السبب على النتيجة أو عطف طلب الوسيلة على طلب الغاية بل هو من باب عطف الخاص على العام كما في قوله تعالى:

مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ..

وفي قوله:

وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ..

ورحم الله الإمام البغوي إذ قال:

" ... ويقال: الاستعانة نوع تعبد فكأنه ذكر جملة العبادة أولا ثم ذكر ما هو من تفاصيلها."

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير