كيف كان حاله {إِذْ نَادَى رَبَّهُ}.!؟
ـ[أبو الأشبال عبدالجبار]ــــــــ[26 - 12 - 07, 07:32 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف كان حاله {إِذْ نَادَى رَبَّهُ}.!؟
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد.
أما بعد:
سأل الأنبياء - عليهم السلام - ربهم كما كل عبيد الله تعالى، وقد ورد في القرآن الكريم ما يدل على ذلك، لكن ما لفت نظري حالهم التي كانوا عليها عند دعائهم؛ وسبب ذلك تفكري في أمر وهو أني لاحظت أنه تعالى يقول: {إِذْ نَادَى} كلما ذكر سبحانه دعاء لأحد أنبيائه في الغالب،و {إذ} اسم للزمن، ودائما تذكر {إذ} مع ذكر الأحوال، سواء كان هذا الحال لمن يعيش في ذلك الزمان أو للزمان.
*وهنا سأذكر حال الأنبياء الذين أخبرنا تعالى عن دعائهم مبينا حالهم عند سؤالهم:
1 - بسم الله الرحمن الرحيم
{كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)}.
كما هو واضح من الآيات الكريمة أن زكريا رضي الله عنه سأل الله سبحانه أن يهب له ابنا، لكن ما هي الحال التي كان عليها؟
كان في وضع يستحيل معه الإنجاب، ومع ذلك سأل الله تعالى وبكل ثقة أن يرزقه ولدا.
قال صاحب نظم الدرر:
قيل: {قال رب} بحذف الأداة للدلالة على غاية القرب {إني وهن} أي ضعف جداً {العظم مني} أي هذا الجنس الذي هو أقوى ما في بدني، وهو أصل بنائه، فكيف بغيره! ولو جمع لأوهم أنه وهن مجموع عظامه لا جميعها {واشتعل الرأس} أي شعره مني {شيباً ولم أكن} فيما مضى قط مع صغر السن {بدعائك} أي بدعائي إياك {رب شقياً *} فأجرِني في هذه المرة أيضاً على عوائد فضلك، فإن المحسن يربي أول إحسانه بآخره وإن كان ما ادعوا به في غاية البعد في العادة، لكنك فعلت مع أبي إبراهيم عليه السلام مثله، فهو دعاء شكر واستعطاف؛ ثم عطف على «إني وهن» قوله: {وإني خفت الموالي} أي فعل الأقارب أن يسيئوا الخلافة {من وراءي} أي في بعض الزمان الذي بعد موتي {وكانت امرأتي عاقراً} لا تلد أصلاً - بما دل عليه فعل الكون {فهب لي} أي فتسبب - عن شيخوختي وضعفي وتعويدك لي بالإجابة، وخوفي من سوء خلافة أقاربي، ويأسي عن الولد عادة بعقم امرأتي، وبلوغي من الكبر حداً لاحراك بي معه - إني أقول لك يا قادراً على كل شيء: هب لي {من لدنك} أي من الأمور المستبطنة المستغربة التي عندك، لم تجرها على مناهج العادات والأسباب المطردات، لا من جهة سبب أعرفه، فإن أسباب ذلك عندي معدومة.
2 - {وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} (الأنبياء:76)
دعا نوح عليه السلام على قومه، ولكن لماذا؟
يقول ابن كثير:
"من الشدة والتكذيب والأذى، فإنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى الله عز وجل، فلم يؤمن به منهم إلا القليل، وكانوا يقصدون لأذاه ويتواصون قرنًا بعد قرن، وجيلا بعد جيل على خلافه"
قال تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} (الأنبياء:77).
3 - {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (الأنبياء:83)
يذكر أهل العلم أن أيوب عليه السلام ابتلي ابتلاء عظيما وصبر ولم يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء ليكشف عنه ما أصابه، لكنه بعد ذلك دعا الله تعالى وتوجه إليه سبحانه عندما وصل حالة إلى مرحلة يصفها ابن كثير فيما يلي:
"وقد روى أنه مكث في البلاء مدة طويلة، ثم اختلفوا في السبب المهيج له على هذا الدعاء، فقال الحسن وقتادة، ابتلي أيوب، عليه السلام، سبع سنين وأشهرًا، ملقى على كُنَاسَة بني إسرائيل، تختلف الدواب في جسده ففرج الله عنه، وعَظَمَّ له الأجر، وأحسن عليه الثناء.
¥