[نذر بين الترقيق والتفخيم]
ـ[أبو سفيان العامري]ــــــــ[10 - 12 - 07, 12:10 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإنَّ مما يُقرِّب إلى الله تعالى، ويرفع درجة العبد عنده، ويوصل إلى مرضاته، النصيحة لكتاب الله الكريم.
وهذا أصل عظيم وكبير تندرج تحته فروع كثيرة، منها: تلاوة كتاب الله عزّ وجلّ حق تلاوته بالتجويد والترتيل وحسن الأداء على مقتضى القواعد التي قعّدها أهل العلم مستقاة من طريقة أداء النبي صلى الله عليه وسلم التي تلقاها عن جبريل عليه السلام الذي سمعها من رب العزة جل جلاله وتقدست أسماؤه.
ثم إن من أهم ما ينبغي أن يُعنى به المجوِّد للقرآن ما يتعلق بصفات الحروف اللازمة والعارضة.
أما اللازمة فهي التي لا تنفك عن الحرف بحال.
وهي سبع عشرة صفة جمعها محقق الفن في المقدمة فيما يجب على قارئ القرآن أن يعلمه.
وأما الصفات العارضة فهي التي تعرض للحرف في أحوال وتنفك عنه في أخرى.
وعددها إحدى عشرة صفة وهي: الإظهار والإدغام والقلب والإخفاء والتفخيم والترقيق والمد والقصر والتحرك والسكون والسكت.
جمعها شيخ مشايخنا العلامة إبراهيم السَمَنُّوْدي ـ حفظه الله ـ فقال:
إظهارٌ ادغامٌ وقلبٌ وكذا إخفا وتفخيمٌ ورقٌ اُخِذا
والمدُّ والقصرُمع التحرّكِ وأيضاً السكونُ والسكتُ حكي
إذا عُلِم ما تقدم فيحسُن أن أشرع في الكلام على مقصود البحث وهو حرف الراء في كلمة {ونذر} حال الوقف عليها، وأقدم بين يدي ذلك بكلام مختصر حول حرف الراء.
اعلم ـ رحمك الله ـ أن حرف الراء الأصل فيه التفخيم، ولا يرقق إلا في أحوال معينة لا يتعداها إلى غيرها.
هذا الذي ترجح لدى الباحث من خلال النظر في أقوال الأئمة، وممن نص على ذلك الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ حيث قال:
وفيما عدا هذا الذي قد وصفته على الأصل بالتفخيم كن متعمِّلا
وكذلك نص بعض شراح الشاطبية على هذا، ومنهم الإمام الفاسي ـ رحمه الله ـ والإمام ابن القاصِح ـ رحمه الله ـ وغيرهما.
قال الفاسي: (وإنما كان التفخيم فيها هوالأصل لكونها أقرب حروف اللسان إلى الحنك فأشبهت لذلك حروف الاستعلاء فكانت مفخمة مثلها، وجاز فيها الترقيق في بعض الأحوال إذ ليست من حروف الاستعلاء وإنما مشبَّهة بها)
وقال ابن القاصح: (والأصل في الراءات التفخيم بدليل أنه لا يفتقر إلى سبب من الأسباب، والترقيق ضرب من الإمالة فلا بد له من سبب).
ويُفهم من صنيع محقق الفن في مقدمته أنه يختار ذلك حيث قال:
وَرَقِّقِ الراءَ إذا ما كُسِرَتْ كَذَاكَ بَعْدَ الكسرِ حيث سَكَنَتْ
إنْ لَّمْ تَكُنْ مِنْ قَبْلِ حَرْفِ اسْتِعْلا أو كانتِ الكسرةُ ليسَتْ أصلا
فذكر ـ رحمه الله ـ أحوال الترقيق فقط ولم يتعرض لذكر أحوال التفخيم لأنه الأصل.
وهذا هو الذي فهمه شُرَّاح مقدمته ومنهم عبد الدائم الأزهري ـ رحمه الله ـ في شرحه (الطِّرازاتُ المُعْلِمة) و القَسْطَلاّني ـ رحمه الله ـ في شرحه (اللآلئ السَّنِيَّة) وطاش كبرى زاده ـ رحمه الله ـ في شرحه وابن يالوشة التونسي ـ رحمه الله ـ في شرحه (الفوائد المُفهِمة) والملا علي القاري ـ رحمه الله ـ في شرحه (المِنَح الفِكْرِيَّة) في آخَرين.
ومواضع ترقيق الراء محصورة فيما يلي:
1) إذا كانت مكسورة، نحو: {رِجال}.
2) إذا كانت ساكنة بعد كسر أصلي متصل بها في كلمة، نحو: {فِرْعَوْن}.
3) إذا كانت ساكنة لأجل الوقف بعد ياء ساكنة، نحو: {خَبِيْر} {الطَيْر}.
4) إذا كانت ساكنة في آخر الكلمة، وكان قبلها كسر سواء كان سكونها عارضا للوقف عليها، نحو: {قُدِر} ـ ولو فصل بينهما سكون، نحو: {سِحْر} ـ أو كان سكونا أصليا، نحو: (فاصبر صبرا).
5) الراء المكسورة وصلا الموقوف عليها بالرَّوم، نحو: {والعَصْرِ)
6) الراء الممالة، نحو: {مجراها} في قراءة من يميل.
وقد نصّ الأئمة المتقدمون على ثلاث كلمات يجوز فيها التفخيم والترقيق وهي كما يلي:
1) {فِرْق} في سورة الشعراء، والترقيق هو المقدم في الأداء وصلا ووقفا، وقد أفادني شيخي العلامة عبد الرافع رضوان ـ حفظه الله ـ أن التفريق بين حال الوصل وحال الوقف ـ في هذه الكلمة ـ غير صحيح.
¥