[لماذا لا يسأم المرء من تكرار الفاتحة قراءة واستماعا؟]
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[15 - 10 - 07, 12:30 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ..
وبعد:
فهذه خواطر صغيرة عن فاتحة الكتاب ..
1 -
-إعجاز القرآن ملحوظ أيضا من جهة التلقي:
ونعني بذلك ما ينشيء القرآن من أحوال شعورية وذهنية عند القاريء/ المستمع ... بما لا يعهد في قراءة أو سماع غيره من نصوص الفن الجميل والشعر الرائق ...
وهذا الإعجاز لا مرية فيه، لأن المرجع فيه للحس والتجربة،وإنكاره قريب من إنكار بياض الثلج أوسيولة الماء ...
فنقول مثلا:
لماذا لا يسأم المسلم من تلاوة وسماع الفاتحة؟
هي تجري على الألسنة والأذهان ليلا ونهارا،ولا تمل.!
هي محفوظة في صدر كل مسلم،ومع ذلك يقرؤها على نفسه ويسمعها من غيره وكأنه لم يقرأها أو يسمعها من قبل.!
هي مقروءة من لدن الإمام مرات في اليوم والليلة،ومع ذلك لا ترى المأموم يتأفف أو يستبطيء قولة آمين .. يسمع آية سمعها آلاف المرات ولكن تأثيرها لا ينضب فالشوق هو الشوق والخشوع هو الخشوع والطراوة هي الطراوة.!
لماذا ينتابنا الشعور بالرقة وتلك الرغبة التي لا تقاوم في البكاء كلما سمعنا:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم ... !
لماذا لا يفتأ يهتز فؤاد المؤمن والفاسق كل مرة عند سماع نص يقرأ ملايير المرات في اليوم الأرضي.!
لا نقول لمنكر إعجاز القرآن إلا ما قيل لأمثاله من قبل:
هات أجمل قصيدة أوأعذب أغنية من إنتاج مشترك للجن والإنس واقرأها على الناس بضع مرات في كل يوم ... ثم قل لي:
متى سيسأمها الناس؟
إن قال لن يسأم الناس سماعها فقد نادى على نفسه بجهل الطبيعة البشرية .. ويدعى إلى النظر إلى أحوال الناس وتعرض عليه أخبار المبتلين منهم بسماع الأغاني الذين يرددون أغنية جديدة أعجبتهم آناء الليل وأطراف النهار بشعور منهم وبغير شعور .. ثم يسأمونها بعد حين وينتقلون إلى غيرها .. وهلم "شرا"!
وإن حدد أجلا مسمى تنتهي عنده طراوة الأغنية أو القصيدة –كشأن المعلبات والمصبرات! - فذاك اعترافه أن الفاتحة معجزة لا يستطيعها إنسي ولا جني ..
2 -
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {2} الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {3} ملِكِ يَوْمِ الدِّينِ {4}
ثلاث آيات نتلوها متعاقبة على اللسان في زمن وجيز لكن القلب تأخذه سياحة لا يعلم إلا الله مداها فتدخله كل آية في إقليم شعوري متميز:
-إقليم الحب
-إقليم الرجاء
-إقليم الخوف.
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ... استشعار للحب ..
وللقلب أن يعي أن الحمد يكون لوصف حسن، ولفعل جميل، ولعطاء موصول ..
وللقلب أن يستكنه في كلمة "رب" معاني الإيجاد والتربية والرعاية والقيومية ...
فإذا جمع الإيجاد في ال"رب" والإمداد في "الحمد" نشأ الحب لا محالة.
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ..... استشعار للرجاء.
فمن الرحمة اشتق اسمان لا واحد، فهي الرحمة كميا وعدديا.
ومن الرحمة اشتقت صيغتا:"فعلان "دالة على الامتلاء،و"فعيل" زيادة في الرحمة من فاعل، فهي الرحمة كيفيا ونوعيا.
مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ..... استشعار للخوف.
وللقلب أن يستجلي إيحاءات "ملك"حيث تتجمع في الكلمة ظلال السلطة والقهر والحكم .. وله أن يضمها إلى كلمة "يوم"فيتذكر استعمالات العرب ل"يوم"في مواطن الشدة والبأس كالحروب والوقائع .. وله أن يضم الكلمتين إلى ثالثة لا تخلو من تلك المعاني ذاتها ..
ف"الدين" هو الدينونة والحساب والاقتصاص والدم ...
"ملك"
"يوم "
"الدين"
ثلاث سياطات متعاقبة تبعث الخوف في القلوب ...
فانظر إلى حركات القلب الثلاث كيف جابت أصقاع العبادة كلها من حب ورجاء وخوف ...
ثم تعجب كيف استطاعت الفاتحة أن تفعل ذلك بالقلب في أقل من عشر كلمات!
3 -
إياك نعبد وإياك نستعين.
خلق كبير من المفسرين وجهوا التقديم والتأخير في هذه الآية لكنهم اتفقوا على الفصل بين" إياك نعبد" و"إياك نستعين" وفاء بحق التغاير الذي تنم عنه واو العطف ..
وقد اتخذ المفسرون مسلكين في التعليل:
-مسلكا إشاريا كما يتضح من صنيع الفخر الرازي-رحمه الله- في كشفه عن سر التقديم والتأخير ... فمن جملة ما قال:
¥