تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[دلالة القسم ب"العصر"في سورة العصر.]

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[24 - 12 - 07, 10:49 م]ـ

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، باسم الله الرحمن الرحيم.

وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}

يمكن استكناه دلالات هذا القسم بتوجيه النظر إلى جهتين:

أولا:

موقع القَسَم على المحور العمودي، بوضع "العصر"ضمن جملة الأقسام الأخرى التي افتتحت بها بعض السور المكية.

ثانيا:

وظيفة القَسَم على المحور الأفقي،بملاحظة علاقة "العصر"بما تضمنته السورة من معان وأحكام.

****

-احتل "الزمن" مكانة متميزة بين الأقسام الاستهلالية، فرب العزة أقسم بكل مراحل الوحدة الزمنية:

فقد أقسم بالليل:

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} الليل1

وأقسم بالفجر:

{وَالْفَجْرِ} الفجر1

وأقسم بالضحى:

{وَالضُّحَى} الضحى1

وأقسم بالعصر:

{وَالْعَصْرِ} العصر1

ويلحظ مع هذا أن السور قد سميت أيضا باسم العنصر الزمني المقسم به في مستهلها.

جاءت هذه الأقسام لاستغراق الزمن كله بالتنبيه على تمفصلاته ومنعرجاته الأساسية:

فالفجر بداية

والليل نهاية

والضحى نهاية البداية

والعصر بداية النهاية.

قال في اللسان:

الضُّحى من طلوعِ الشمس إِلى أَنَ يَرْتَفِعَ النهارُ وتَبْيَضَّ الشمس جدّاً ثم بعد ذلك الضَّحاءُ إِلى قَريب من نِصْفِ النهار.

العَصْرُ: العَشِىُّ إِلى احْمِرارِ الشَّمْسِ ..

فيكون الفجر مقابلا لليل باعتبار البدئية والانتهائية، والضحى مقابلا للعصر باعتبار الأول يمثل نهاية ارتفاع الشمس وتمام انتشار الضوء التدريجي، والثاني يمثل بداية نزول الشمس نحو المغيب وتغير لون الأشعة نحو الاصفرار ثم الاحمرار.

والزمن المقسم به في هذه السور مرتبط بحياة الإنسان وسيرورته، بحيث يؤذن تحول الزمن وتغير موضع الشمس في السماء بتحول وتغير في نشاط الإنسان وبرنامج عمله ... ومن ثم كانت الصلاة موقوتة بحسب منعرجات الزمن مما يكشف عن تناغم بديع بين الإنسان والطبيعة ...

وللمعنى نفسه جاء تعدد أجزاء النهارواختلافها: فجر/ضحى/عصر ... في موازاة مع تعدد أنشطة الإنسان واختلافها في النهار .. بينما الليل لم يقع فيه تقسيم فجاء لفظا عاما واحدا ("الليل") لقلة نشاط الإنسان فيه،فهو سبات ونوم في الغالب، لا يحتاج معه إلى تمييز. ..

ويمكن أن نلاحظ في هذا السياق أن العناصر النهارية جاءت في القسم القرآني مجردة من كل قيد:والفجر ... والضحى ... والعصر ..

أما الليل فقد جاء مقيدا بوصف: والليل إذا يغشى ..

ولعل في التقييد بالظرفية وفعل المضارع تنبيها على الزمنية والحركية فالمقصود هو حلوله وانتشاره وليس السواد أو الظلام فقط. والله أعلم.

***********

إن وقت العصر مناسب بيانيا لموضوع السورة لذلك اختاره العليم الحكيم قسما في مطلعها، وهذا بعض بيان لبعض وجوه التناسب بين المقسم به والمقسم عليه:

لا ريب أن سورة العصر، على قصرها،شديدة الوقع على النفس: ففيها ثلاث لحظات دلالية تثير ثلاث لحظات شعورية:

اللحظة الأولى:

"إن الإنسان لفي خسر"

حكم بالخسران عبر عنه باستغراقات ثلاث:

-التوكيد بثلاث مؤكدات:القسم و"إن "و"اللام"

-الحكم على النوع الإنساني كله .. " الإنسان" هنا لا يراد به الماهية بل العموم المستغرق لكل أفراده بدلالة الاستثناء الذي سيأتي.

-التعبير ب "في خسر"لاستغراق كل الجهات .. فكأن الخسر ظرف والإنسان مظروف فيه،فحيثما توجه وجد الخسران ... هذه التقوية الكمية لمعنى الخسارة عضدتها تقوية أخرى – كيفية- بتنكير "خسر"فيؤول المعنى إلى: "خسر وأي خسر"!!

هذه اللحظة الدلالية يقابلها شعوريا إحساس بالانقباض وربما اليأس ..

فالحكم بالخسارة هو على كل الناس، وقاريء هذه السورة واحد من الناس، فهو مشمول في الحكم قطعا.

اللحظة الثانية:

" .... إلا الذين ... "

لحظة تنفيس .. وفتح لنافذة الأمل، فالخسارة ليست بإطلاق .. فقد آذن الإستثناء بتكسير طوق الخسران لإخراج أفراد من الناس من دائرة الخسارة المتأصلة إلى النجاة الطارئة!

يوازي هذه "اللحظة الاستثنائية" تنفس الإنسان الصعداء!! لسان حاله يقول:"الحمد لله هناك مبدئيا ناجون عسى أن أكون منهم .. "

اللحظة الثالثة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير