القرآن قال: وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ"
لماذا "من كل مكان" مع أن موجة واحدة- من مكان واحد- كفيلة بإغراقهم جميعا؟
إن الآية لها مقصد أعظم من تحديد سبب الهلاك ....
عندما يأتي الخطر الماحق من جهة فإن الإنسان على نحو غريزي يلتفت إلى جهة أخرى بحثا عن مفر أو غوث ...
"وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ"
عبارة سدت كل المنافذ الممكنة .. فلم يترك الموج للخيال فسحة أن يتصور جهة ما منها تأتي إغاثة ولو على سبيل الفرض والوهم ...
فلم يبق إلا التوحيد ...
وبتأمل الأمر الثاني تتضاعف الحاجة إلى التوحيد ..
الموج يهلك بسرعة .. والمسألة معدودة بالثواني!
فالحاجة ملحة إلى منقذ أسرع من العاصفة ويتجاوز الحصار المضروب من قبل الموج .. فأين يمكن تصور أو توهم هذا المنقذ؟
فلم يبق مرة أخرى إلا التوحيد.
هذه المعاني لا يمكن أن تتقرر لو كان الهلاك في الصحراء مثلا: فللوهم أن يتخيل قافلة ممكنة آتية على غير توقع ... كما أن الهلاك جوعا أو عطشا ليس سريعا -مثل الغرق-وأثناء الموت البطيء يمكن للإنسان أن يمني نفسه أو يوهمها بقادم أو عابر ...
5 - صورة-فكرة-شعور
تصوير المشهد بالخيال، تقرير فكرة التوحيد بالعقل، وتفجير الاحاسيس في النفس:
-المشهد لا ينفك عن الشعور بالرعب بوضع الإنسان الهش الضئيل في إطار العناصر الطبيعية الشديدة:
عاصفة، موج، خضم ..
-المشهد لا ينفك عن الشعور بالتوتر: فالموت لم يحصل بعد لكنه يجيء في صورة الموج شيئا فشيئا .. يجيء ولا يصل ليشتد الترقب والانتظار .. وليس أقسى من انتظار الموت الحتمي.
-المشهد لا ينفك عن الشعور بالضياع ... فمن يسمع هؤلاء المنكوبين ومن يراهم وهم في غيابات البحر العظيم ..
-المشهد لا ينفك عن اتجاه القلب –رغما عنه-في الوجهة الصحيحة ..
ليس إلا الله يرى ويسمع ولا يعجزه شيء في البر أو البحر ...
لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ....