وتريد صاحبها الهمة العالية، الذي يستعلي على الدنيا وشهواتها الفانية، وطريق الضلال يهبط بصاحبه إلى أسفل سافلين، طريق هاوية، سالكوها من أصحاب الهمم الخاوية، الذين ركبوا إلى الأرض، لذلك كانت منازل الأبرار في عليين، ومنازل الكفار في أسفل سافلين. إذا عرفت هذا فتأمل قوله تعالى: [وأنا أو إياكم لعلى هذى أو في ضلال مبين] سبأ/24. انظر مدارج السالكين لابن القيم (1/ 15).
قاعدة:
لكل حرف من حروف المعاني وجه وهو أولى به من غيره. فلا يجوز تحويل ذلك عنه إلى غيره إلا بحجة.
توضيح: حروف المعاني هي تفيد معنىً معيناً. وقد تسمى بحروف الصفات أو حروف الإضافة. أما حروف المباني فهي حروف تبنى منها الكلمات فقط لا معنى عليه تدل عليه. وتعد معرفة هذا الباب من الأمور المهمة التي لا بد منها للمفسر، وذلك لأن الحرف الواحد يأتي في عدة صور من الاستعمال بحسب مقصود المتكلم وهو ما يطلق عليه بـ (التضمين) وهو اعطاء الكلمة معنى كلمة أخرى، ويكون في الأسماء والأفعال والحروف فالحروف مثل تضمين (على) معنى (في) والعكس. وفي هذا الموضوع كتب مصنفه.
وأما الأفعال فيكون التضمين بان يتعدى الفعل بحرف ليس من عادته التعدي به فإما أن نؤول الحرف ونقول حصل التضمين بالحرف وأما أن نبقي الحرف على أصله ونؤول الفعل ونقول حصل التضمين بالافعال. وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب بعضهم إلى التوسع في تضمين الحروف دون الأفعال ومال آخرون إلى العكس. حيث قد سعوا في الأفعال وهذا ما سرنا عليه هنا في القاعدة.
تطبيق:
قال تعالى: [عينا يشرب بها عباد الله] الانسان/6. فالفعل يشرب يتعدى بحرف (من) وليس الباء فأما أن نقول: حصل تضمين في الأفعال، حيث تم تضمين الفعل (يشرب) معنى (يروى) أو نقول: حصل تضمين في الحروف، حيث تم تضمين الحرف (الباء) معنى (من) فعلى الأول يكون معنى الآية: عينا يروى بها عباد الله، وعلى الثاني يكون معنى الآية: عينا يشرب منها عباد الله. والقول الأول أولى لأنه أبلغ، فلو قيل: يشرب منها لم يدل على الري، ولو قيل يشرب بها، أفاد ذلك أنه شرب يحصل معه الري. المجموع لأبن تيمية (21/ 123). ومن الأمثلة على ذلك أيضاً قوله تعالى: [ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا] الانبياء/77. نصرناه ضمن معنى نجيناه. وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله أن هذا القول الذي رجمناه هو قول نحاة البصرة وهو يغني عما يتكلفه الكوفيون من دعوى الاشتراك في الحروف. وقال ابن القيم في بدائع الفوائد متكلماً على التضمين: ومن هذا قوله تعالى: [ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم] الحج/25. فعل الارادة لا يتعدى بالباء ولكن ضمن معنى يهم فيه بكذا وهو أبلغ من الارادة فكان في ذكر الباء إشارة إلى استحقاق العذاب عند الادراة وإن لم تكن حازمة، وهذا باب واسع لو تتبعناه لطال الكلام فيه. بدائع الفوائد (2/ 20).
قاعدة:
إذا جاءت (مِنْ) قبل المبتدأ أو الفاعل أو المفعول فهي لتأكيد النفي وزيادة التنكير والتنصيص في العموم.
مثال: أ- مجيء (من) قبل المبتدأ: قال تعالى: [وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم] الأنعام/38.
ب- مجيء (من) فبل الفاعل: قال تعالى: [أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير] المائدة/19.
ج- مجيء (من) فبل المفعول: قال تعالى: [هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا] مريم/98.
قاعدة:
الأسم الموصول يفيد علة الحكم.
مثال:
قال تعالى: [ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد] يونس/52.
قال تعالى: [ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار] سبأ/42.
قال تعالى: [قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم] آل عمران/12.
فعلة الأول والثاني هي الظلم، وهو هنا بمعنى الكفر، وعلة الثالث: الكفر.
الباب السابع
الضمائر
قاعدة:
الضمير العائد إلى أكثر من واحد وامكن حمله على الجميع فإنه يحمل عليه.
مثال: قال تعالى: [يا أيها ألإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه] الانشقاق/6. فالضمير في قوله فملاقيه قيل هو راجع إلى ربك أي تلاقي ربك وقيل هو راجع إلى الكدح أي تلاقي عملك والمعنيان صحيحان، فإن العبد ملاقِ ربه وعمله.
قاعدة:
الأصل في الضمير الواقع بعد مضاف ومضاف إليه أن يعود إلى المضاف.
¥