ألف أبو زيد ابن القاضي في هذه القضية رسالة مشهورة سماها "قرة العين، في معنى قولهم تسهيل الهمزة بين بين"، وتعرض لبحثها أيضا في بعض كتبه كالفجر الساطع وغيره.
فأما في الكتاب الأخير فقد نبه على ذلك عند قول ابن بري: "فنافع سهل أخرى الهمزتين- في كلمة فهي بذاك بين بين" فقال: قوله "بين بين": "اعلم أن "بين بين" اسمان مركبان جعلا اسما واحدا، ومعناه بين الهمزة وبين حرف من جنس حركتها، فتكون المفتوحة بين الهمزة والألف، والمكسورة بين الهمزة والياء، والمضمومة بين الهمزة والواو "ثم قال: "قائدة": قال في "الكنز": تجعل حرفا مخرجه بين مخرج المحققة ومخرج حرف المد الذي يجانس حركتها أو حركة سابقها وتأصل للمتحرك" "انتهى () ثم قال ابن القاضي:
تنبيه: "وقد اختلف القراء-رصوان الله عليهم ـ في كيفية النطق بالتسهيل، هل يجوز أن يسمع فيه صوت الهاء مطلقا كيفما تحركت الهمزة، وبه قال أبو عمرو الداني؟ أو لا يجوز صوت الهاء عند النطق بالتسهيل مطلقا، قاله الشامي شارح الشاطبية ()، وبمذ هبه أخذ في "مختصر البرية" () فشدد في منعه.
والقول الثالث لابن حدادة قال: "يجوز إبقاء صوت الهاء في تسهيل المفتوحة خاصة دون المضمومة والمكسورة" ثم قال ابن القاضي:
فمن اعتبر ما في التسهيل من الهمز قال يجوز أن يكون فيه صوت الهاء، وقد سمع إبدال الهمزة هاء نحو "هرقت الماء" و"هياك" في "اياك"، وجاء عن بعض الرسام أنهم يرسمون الهمزة كهاء نحو "جاه" في جاء" و"هامنوا" في "ءآمنوا"، ومن اعتبر ما في التسهيل من حرف المد قال لا يكون فيه صوت الهاء. وحجة القول الثالث لأنها سهلت بينها وبين الألف، وهو مع الهمزة مخرجهما واحد، وهوآخر الحلق، فلابد من صوت الهاء" قاله في "تحصيل المنافع" قال ابن القاضي:
قلت مشيرا للأقوال الثلاثة:
واختلفوا في النطق بالتسهيل
وفيل ممنوع على الإطلاق فقيل بالهاء بلا تفصيل
وقيل في المفتوح قط باق
ثم نقل قول الجعبري في "الكنز" المتقدم وفيه قوله: "ويحترز في التسهيل عن الهاء والهاوي .. ثم أتبعه بقول نسبه لابن غلبون قال فيه: "يلين الهمزة ويشير إليها بصدره" ()،ثم نقل قول ابن أبي السداد في "الدر النثير": "وعبر الحافظ في "التيسير" عن همزة بين بين بالمد، وكذلك عبر الشيخ في التبصرة وغيرها .. ثم نقل النص الذي قدمنا عن أبي عبد الله محمد بن الحسن الفاسي من كتاب "اللألئ" الفريدة" وفيه القول: "وربما قرب بعضهم لفظها من لفظ الهاء وليس بشيء"، ثم نقل الأبيات الأربعة الأولى من الأبيات التي تقدمت من قول أبي وكيل ميمون الفخار في "تحفة المنافع" "وفيها ذكر المذاهب الثلاثة في قوله: "ثلاثة للشامي والداني" وابن حدادة الرضا المرضي"ثم انتقل إلى تفصيل أحكام الهمز دون أ، يقول شيئا عن المختار عنده من هذه الأقوال كما اعتاد فعله في كتابه.
ولكن الذين اعتمدوا تفصيله هذا من تلامذته وشيوخ مدرسته ذهبوا إلى إقراره لإبدال التسهيل هاء ولو على سبيل الجواز على الأقل، كما فهم ذلك من النقول التي أوردها وهي في الحقيقة نقول مدخولة لأنها تفتقر إلى وسائل الإثبات، ولأن أبا زيد بن القاضي لم يزد في الاحتجاج لمذهب الجواز على العزو إلى كل من أبي عمرو وابن حدادة دون أن يسمي كتابا أو ينقل نصا عن واحد منهما مما يدل على أنه إنما قلد في ذلك الشيخ ميمون الفخار فيما قاله في "التحفة" ومذلك الشأن في توجيه كل قول بما وجهه به من توجيه، فإنه لم يزد على نثر معنى أبيات أبي وكيل في "التحفة" ولم يسق نصها في "الفجر" واكتفى بتحليل معانيها دون عزو ذلك إليه بل نسب بعض ذلك إلى صاحب "تحصيل المنافع"، وهو متأخر عن صاحب التحفة بكثير.
ثم هو إلى ذلك ختم عرضه بأقوال المانعين من صوت الهاء كالفاسي والشامي (أبي شامة) والجعبري، وهي كلها تنقض كل ما بناه، لكنه لم يعلق عليها بحرف، وكأنه إنما جاء بها ليبين تعادل الكفتين واستواء الخلاف بين الطرفين.
ولهذا كان سكوته عن التعليق ذريعة إلى الأخذ بمذهب الجواز استنادا إلى مازعموه من نقله له ودعواهم أن الأخذ عم به كما نجد مثلا في قول الشيخ مسعود جموع في "الروض الجامع" حيث نقل التنبيه الذي نبه به هنا شيخه ابن القاضي بنصه، إلا أنه أدرج فيه بعد ذكر الجواز مطلقا قوله:
"وبه قال الحافظ أبو عمرو ثم قال: "وبه الأخذ عندنا بفاس والمغرب" ().
¥