تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يطلبها المعنى.

2 ـ اللغات المزجية، وهي لغات فيها النسب التي تقتضيها المعاني تكون بضم كلمات إلى الكلمات التي يراد تعلق النسب بها بحيث تحفظ كل كلمة معناها وصورتها الأصليين، ففي هذه اللغة يعبر عن المعنى الذي يعبر عنه بكلمة واحدة بسطر طويل من كلمات مرصوصة، ومن هذا القسم اللغة اليابانية.

3 ـ اللغات الاشتقاقية، وهي لغات تتغير صورة كلماتها بالتصريف، ولكن مادة الكلمة تبقى في جميع الصور حافظة لمعناها، وما طرأ على الصور من التغيير يعين النسب المختلفة في الزمن والعدد والكيفية والنوع. وللغات هذا القسم حروف معانٍ تربط الألفاظ والتراكيب بعضها ببعض. ومن لغات هذا القسم اللغات الأوروبية واللغاة العربية. ومنها لغات هُجِرَ استعمال بعضها كاللاتيني واليوناني فسمِّي ميتاً، ومع موته لم نزل نرى أناساً من أهل الفضل والعلم ينادون بحفظه ويحضون عليه، ومنها ما هو مستعمل ويسمى بالحي كالعربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية. ومنها ما هو أصلي كالعربية والألمانية والروسية، ومنها ما هو ملفق مستحدث كالفرنسية والإنجليزية، خصوصاً الإنجليزية.

وكل قسم من هذه اللغات يقابل طوراً من أطوار المدنية، فاللغة الصينيةتقابل درجة مدنية بسيطة، ويستحيل التعبير بها عن الاحتياجات والمعلومات العصرية، وكلما ارتقت أفكار أهل الصين وتقدموا في المدنية أحسوا بعدم كفايتها لمطلوب الوقت فيضطرون إلى تحويلها ـ ولكن تدريجياً بحسب الاحتياج ـ فتكتسب الشكل المزجي وتتعدى الشكل المقطعي.

وكذلك الأمر في كل لغة مزجية فإنها تكون كافية في بدء أمرها للأمة التي اتخذتها، ثم بارتقاء حالة الأمة تصير هذه اللغة غير وافية، فتضطر الأمة لنقل اللغة إلى الاستقامة شيئاً فشيئاً، وكلما أمعنت في الإرتقاء بعدت عن الشكل المزجي وتوغلت في الشكل الإشتقاقي الذي هو أوقى أشكال اللغات حتى الآن وأصلحها لمدنية عصرنا.

هذا التغير والتحول في اللغة من طور إلى طور ليس اختيارياً بل تنساق إليه الأمة بحكم الضرورة. ولهذا إذا استعملت أمة متأخرة في المدنية لغة أمة أكثر مدنية منها لا تتغير مدارك هذه الأمة المتأخرة، بل هي تؤثر في اللغة لأنها زائدة عن حاجتها فتغيرها وتجعلها مناسبة لمدنيتها. فإدخال اللغة الإنجليزية في أوغندة مثلاً لا يجعل من أهل أوغندة نوتون وهكسلي، بل تتغير اللغة الإنجليزية في أوغندة بالكلية وتصير لغة تناسب أهلها، ولكن إذا ثقفت عقول أهل أوغندة بلغتهم ونشر التعليم بينهم تزداد معلوماتهم وترتقي لغتهم المنحطة بتعاقب الأجيال وينبغ منهم رجال كما نبغ من غيرهم، ذلك لأن اللغة ما هي إلا ترجمان للأفكار، فكلما ارتقت الأفكار واتسعت دائرتها اتسعت اللغة وارتفعت بارتفاع الأفكار، فاللغة في طوع المدارك العقلية، وليست المدارك العقلية في طوع اللغة.

واللغة الاشتقاقية تكون في طوع مستعملها أكثر من غيرها وكلما كانت اللغة أبعد عن الشكل المزجي كانت أبسط وأطوع وأحكم. وهذا هو المتوفر في اللغة العربية بدرجة لا نظير لها، ولذا عبر الكاتبون بها في جميع الأوقات عن كل ما يقصدون من أدب وعلوم مهما كان تباينها. والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى فما من علم إلا ألّف فيه قديماً وحديثاً كتب بالعربية وعلى أسلوب زمن التأليف، وما من جريدة علمية ـ مصرية أو سورية ـ وجد كاتبوها في مبحث من المباحث صعوبة في التعبير.

وإذا قابلنا العربية باللغات الاشتقاقية التي هي أكثر استعمالاً في المعمورة ـ كالإنجليزية والفرنسية ـ نجد أن العربية امتازت بخصائص لا يرتاب أحد معها في أنها أليق اللغات وأكفلها بحاجة العلوم. فمن ذلك سعتها. فعدد كلمات اللغة الفرنسية 25 ألفاً وكلمات اللغة الإنجليزية 100 ألف (على أن معظم هذا العدد اصطلاحات صناعية) أما العربية فعدد (موادها) على قول المطلعين 400 ألف مادة، ومعجم لسان العرب يحتوي على 80 ألف مادة (مادة لا كلمة) ومواد اللغة العربية تتفرع إلى كلمات، فإذا فرضنا أن نصف المواد الواردة في المعجم متصرفة بلغ عدد ما يشتق منها نصف مليون كلمة، وليس في الدنيا لغة اشتقاقية أخرى غنية بكلماتها إلى هذا الحد. وبسبب غنى العربية وسعتها تجد فيها للمعاني الشديدة التقارب كلمات خاصة بكل معنى، مهما كانت درجة التقارب، وبذلك لا يكون محل للالتباس أو الإبهام اللذين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير