وروعي في التصنيف التمييز بين الأنواع الآتية: أولا ــ التمييز بين الرصيد الإيجابي الذي يمكن استخدامه في لغة العصر الحديث , والرصيد السلبي الذي فقد وجوده في اللغة الحية بمستوييها التراثي والحديث , ولم ينتقل من جيل إلي جيل إلا من خلال المعاجم , وهذا النوع الأخير يقابل ما يسمي في اللغة الإنجليزية بالممات أو المهجور , وقد بلغ مجموعه في المعجم 303 كلمات أي بنسبة أقل من 1%.
ثانيا: التمييز بين الرصيد الإيجابي المعاصر الذي يمثل اللغة الحية السائدة أو النمط المشترك الذي يربط المثقفين بعضهم مع بعض , ويستخدمونه لنقل أفكارهم إلي جمهورهم , وبين الرصيد الإيجابي التراثي الذي لا يصادفه الباحث إلا في النصوص القديمة , ولا يستخدمه إلا المتصلون بالتراث في المناسبات الخاصة , وهم مع ذلك لا يسرفون في استخدامه , ولا يضمنونه كلامهم إلا علي سبيل الاقتباس أو الاستشهاد دون أن يتحول إلي نمط سائد , ولا يعني وصف اللفظ بأنه من الرصيد المعاصر أنه استجد في العصر الحديث , وإنما يعني أنه مستعمل في العصر الحديث حتي لو كان قديما , ويمثل الرصيد المعاصر الأغلبية العظمي في المعجم.
ثالثا: تمييز الرصيد القرآني عن غيره , نظرا لما للاستعمالات القرآنية من قيمة خاصة , مع ملاحظة الفصل بين الكلمات القرآنية التراثية التي لم يعد استعمالها شائعا في لغة العصر الحديث مثل الكلمات: أبق بمعني هرب , ونتق بمعني رفع , وضيزي بمعني جائرة وظالمة , وواصب بمعني دائم لازم والأخري الشائعة الاستعمال التي كثيرا ما تقتبس في لغة المعاصرين , وقد بلغت نسبة القرآني التراثي نحوا من 3% والقرآني المعاصر نحوا من 22%.
رابعا: التمييز بين الاستعمال العام والاستعمال الخاص أو المقيد بمكان معين , أو موقف معين , أو فئة معينة (لهجة أو لغة محلية , رسمي , من لغة المثقفين , مصطلح علمي).
خامسا: التمييز بين الكلمات أو الدلالات المستقرة في المعاجم القديمة , وتلك المولدة أو المستحدثة التي دخلت اللغة أخيرا , أو بعد نهاية عصر الاستشهاد (القرن الرابع الهجري) والتي غالبا ما تعبر عن ظاهرة حضارية استجدت في المجتمع فوضع بإزائها لفظ يعبر عنها (مولد أو محدث) وذلك مثل الكلمات: تلاشي وحبذ وسيارة وشاحنة ومسرح إلي آخره , ومثل هذا النوع من الكلمات قد يكون سائدا في لغة العصر الحديث , وقد لا يكون.
سادسا: تمييز كلمات معينة , للتحذير من استخدامها , إما لأنها محظورة أو متبذلة أو سوقية , فمثل هذه الكلمات لا يحسن استخدامها في المواقف الرسمية أو العامة , أو في حضور النساء والأطفال , وقد اقتصر المعجم علي أقل القليل من هذه الكلمات , متجنبا الصريح والمباشر منها.
المكنز الكبير إذن هو التطبيق العملي للفكر المعجمي الذي عبر عنه العالم اللغوي الراحل الدكتور أحمد مختار عمر في كتابه المتميز صناعة المعجم الحديث والذي قلت عنه في مستهل هذا الحديث إنه أول كتاب من نوعه في اللغة العربية يرسم طريق العمل المعجمي , ويفتح الآفاق الواسعة أمام المشتغلين بالمعجم والمثقلين بهمومه , كما أنه خلاصة لتجارب المؤلف الطويلة مع المعجم العربي نظرا وتطبيقا , ونتاج لاهتمامه في السنوات الأخيرة بالجانب اللغوي التطبيقي من ناحية وبالأعمال المعجمية الغربية من ناحية أخري , وهو الاهتمام الذي تجلي في تحقيقه المبكر للمنجد في اللغة لكراع وديوان الأدب للفارابي ومعجم القراءات القرآنية ــ بالاشتراك ــ وفهارس معجم القراءات القرآنية ــ بالاشتراك ــ والمعجم العربي الأساسي (تأليف بالاشتراك) فضلا عن أن كتاب صناعة المعجم الحديث يحدد العمليات الإجرائية والتنفيذية لعمل معجم , بدءا من التصور المبدئي , وانتهاء بإخراجه في صورته النهائية , كما يعرض أهم وظائف المعجم , ويبين مدي أهمية كل منها , وترتيبه في الأولوية بالنسبة لمستخدم المعجم , ثم هو ــ أخيرا ــ يرسم ملامح المستقبل أمام صناعة المعجم العربي , وهي صناعة لم تعد الآن علي هامش العمل الثقافي , وإنما في صميمه.
ويرحل عنا أحمد مختار عمر وهو في تمام اكتماله وذروة قدرته علي العطاء والإنتاج , يرحل والعمل اللغوي والمعجمي في مصر ــ في المجمع والجامعة والمؤسسات والمحافل والهيئات العلمية في أشد الحاجة إلي فكره وجهوده وطاقته , يرحل والعديد من الأقطار العربية تعتمد عليه في التخطيط لمشروعاتها اللغوية والثقافية والمعجمية والإشراف عليها.