تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"لكن قد خالط ـ يعني ابن حزم ـ من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك، فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى، وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء الحديث باتباعه لظاهر لا باطن له .. مضموماً إلى ما في كلامه من الوقيعة في الأكابر، والإسراف في نفي المعاني، ودعوى متابعة الظواهر" انتهى.

" مجموع الفتاوى " (4/ 19).

وللأسف فدعوى بعض الظاهريين المعاصرين أن شيخ الإسلام ابن تيمية تأثر بابن حزم غير صحيحة، بل بالغ بعضهم فقال: " لولا ابن حزم ما راح ابن تيمية ولا جاء "! وهؤلاء كتموا كلام شيخ الإسلام السابق نقله عنه في انتقاد ابن حزم، فنقلوا ما قبله، وما بعده، مع أنه في موضع واحد، وفي الصفحة نفسها، وإنصافاً لابن حزم سنذكره بعد قليل، وهو يدل على عدل شيخ الإسلام رحمه الله في حكمه على الآخرين.

الثاني: الثناء على ابن حزم في سعة اطلاعه، وتمسكه بالنصوص، وتمييزه بين الحديث الصحيح والضعيف، وفي مخالفته للمرجئة والأشاعرة في معظم مسائل "الإيمان"، وفي "القدَر".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

وإن كان " أبو محمد بن حزم " في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره وأعلم بالحديث وأكثر تعظيما له ولأهله من غيره ... .

وإن كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مكابر؛ ويوجد في كتبه من كثرة الاطلاع على الأقوال، والمعرفة بالأحوال، والتعظيم لدعائم الإسلام، ولجانب الرسالة ما لا يجتمع مثله لغيره، فالمسألة التي يكون فيها حديث يكون جانبه فيها ظاهر الترجيح، وله من التمييز بين الصحيح والضعيف والمعرفة بأقوال السلف ما لا يكاد يقع مثله لغيره من الفقهاء.

" مجموع الفتاوى " (4/ 19، 20).

وشيخ الإسلام ابن تيمية بحر من بحور العلم، وقد كان واسع القراءة والاطلاع، ومن ضمن ذلك اطلاعه على كتب ابن حزم رحمه الله، ولا مانع أن يكون قد استفاد مما فيها من العلم، ومما يدل على أنه قرأها: نقده لما فيها من أخطاء، واستدراكه على اعتقاد ابن حزم ومنهجه في الفقه، وتعقبه في الحديث ومسائل الإجماع وغيرها، وهذا لا يكون إلا ممن نظر واطلع على تلك المصنفات لذلك الإمام، لكنه لم يكتسب صفاته في شدته على أئمة الهدى، ولم يعتقد ما يعتقده ابن حزم في الصفات وغيرها مما خالف فيه أهل السنَّة، ولم يقل بقوله في " نفي القياس "، فأين ذلك التأثر المزعوم.

وقد زعم بعض الكتَّاب أن ابن تيمية تأثر بحدة ابن حزم رحمه الله! وهذا أيضاً غير صحيح، فابن حزم كان حادّاً على رؤوس أهل السنَّة وأئمتها، وأما شيخ الإسلام فهو يجلهم ويعظمهم، وما كان منه من حدَّة فهي على رؤوس بعض أهل البدع والضلال.

خامساً:

أما تأثر ابن حزم بابن عبد البر: فبينهما من العلاقة ما يجعل ابنَ حزم مستفيداً من ابن عبد البر، وكيف لا وهو من شيوخه، ويبدو أن التأثير العلمي والأدبي هو الأبرز في هذه العلاقة، ويبدو ذلك من خلال أمور:

أ. تلقى ابن حزم عن ابن عبد البر علم الحديث.

ب. صاحبه في الأخذ عن شيوخه كذلك أمثال: ابن الفرضي وابن الجسور، ولذا كان يطلق عليه – أحياناً – لفظة " صاحبنا ".

ج. روى عن ابن عبد البر في مواضع عدة من كتبه بلفظ السماع مرة، وبلفظ الإجازة مرة أخرى.

قال القاضي عياض رحمه الله في ترجمة ابن عبد البر:

وسمع منه أبو محمد ابن حزم.

" ترتيب المدارك وتقريب المسالك " (8/ 128).

د. كان ابن حزم يذكر ابن عبد البر في مصنفاته، ويطلق عليه صفة: " الإمامة " و " الاجتهاد ".

هـ. كان يذكر بعض كتب ابن عبد البر ويثني عليها في مصنفاته.

ومن ذلك قوله – وهو يسرد كتب علماء الأندلس -:

ومنها: كتاب " التمهيد " لصاحبنا أبي عمر يوسف بن عبد البر، وهو الآن في الحياة، لم يبلغ سن الشيخوخة، وهو كتاب لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلاً، فكيف أحسن منه.

ومنها: كتاب " الاستذكار "، وهو اختصار التمهيد المذكور.

ولصاحبنا أبي عمر ابن عبد البر المذكور كتب لا مثل لها:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير