[أخطاء ابن خلدون في دفاعه عن هارون و المأمون و مدحه لهما]
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[25 - 12 - 09, 09:31 م]ـ
هذا الموضوع مأخوذ من كتاب:
أخطاء المؤرخ ابن خلدون
في كتابه المقدمة
-دراسة نقدية تحليلية هادفة-
الدكتور
خالد كبير علال
- حاصل على دكتوراه دولة في التاريخ الإسلامي من جامعة الجزائر-
==========
سادسا: في دفاعه عن هارون الرشيد و المأمون و مدحه لهما:
دافع ابن خلدون عن الخليفتين هارون الرشيد و ابنه المأمون و مدحهما بحماس، فقال عن الأول: إن ما يُروى من معاقرته للخمر و سكره مع الندماء، هو مُنكر لم يثبت، فقد رُوي أنه كان مصاحبا للعلماء و الأولياء، و يغزو عاما و يحج عاما، و يصلي في اليوم مائة ركعة. و مما يُبعد ذلك عنه أنه كان قريبا من جده أبي جعفر المنصور و ابنه المهدي، فجده كانت له مكانة في العلم و الدين، و والده كان يتورع في كسوة جديدة لعياله، فكيف يليق بالرشيد معاقرة الخمر،و هو قريب من جده و أبيه، و حتى أشراف العرب كانوا يتورعون من شرب الخمر في الجاهلية،و الرشيد و أباؤه كانوا يتجنبون المذمومات في دينهم و دنياهم، و يتصفون بالمحامد و أوصاف الكمال [1].
و ردا عليه أقول: أولا إن مسألة تضارب الروايات في أخلاق هارون الرشيد و سلوكياته معروفة في كتب التراجم و التواريخ، و هي تحتاج للنقد و التحقيق إسنادا و متنا، للوصول إلى أمر صحيح في هذه القضية. لكن الذي يهمنا نحن هنا ليس إثبات ذلك أو نفيه، و إنما الذي يهمنا هو هل أصاب ابن خلدون في طريقة استدلاله في دفاعه عن الرشيد و مدحه له، أم لم يُوفق في ذلك؟، فهو لم يحقق روايات،و لا جمع كل ما ثبت عن سلوكيات الرشيد لكي نحتكم إليها، و لا احتكم إلى النصوص الشرعية، و إنما معظم ما قاله هو دعاوى و تهويلات و مزاعم وجهها كما يريد، و الدعوى –كما نعلم- لا يعجز عنها أحد، أما الدليل الصحيح فلا يقدر على الإتيان به كل أحد.
ثانيا إن أحوال الرشيد المروية عن ترفه و زهده و لهوه، هي أحوال كلها تدخل في إطار الإمكان العقلي،،و لا نستطيع ترجيح حالة على أخرى دون دليل صحيح، لأنه لا يغيب عنا أن كثيرا من الخلفاء و الملوك و الأمراء عُرفوا في تاريخنا الإسلامي بجمعهم بين مظاهر التدين و اللهو و الانحراف، لأسباب و أغراض كثيرة، الله أعلم بها و بنوايا أصحابها. و عليه فإن احتجاج ابن خلدون بما رُوي عن زهد هارون الرشيد ليس دليلا قاطعا لإثبات ما ذهب إليه، لأنه رُويت عنه أيضا أحوال أخرى مخالفة لذلك، و الفيصل هنا هو تحقيق كل ما رُوي عن أخلاقه، قبل اتخاذ موقف نهائي منه؛ مع العلم أن جمع الرشيد بين تلك المظاهر يبقى ممكنا في حقه، و ليس مستحيلا، لأنه قد يُثبت التحقيق العلمي صحة تلك الروايات على اختلافها.
و ثالثا إن قوله بأن مما يدفع عن الرشيد تلك الاتهامات قربه من جده و ابنه المعروف عنهما بعض التدين، هو قول لا يصلح أن يكون دليلا، لأن الإيمان و التقوى و الزهد و الصلاح، هي صفات لا تُورث، و إنما هي تُكتسب بالإخلاص و اليقين و العمل الصالح، و ليس بالضرورة أن الرجل الصالح يكون أهله مثله صالحين، فها هو نوح-عليه السلام- كانت زوجته و ابنه غير صالحين، و لوط-عليه السلام- لم تكن زوجته صالحة، و إبراهيم –عليه السلام- كان والده كافرا، و رسولنا الكريم-عليه الصلاة و السلام- كان عماه أبو طالب و أبو لهب كافرين.
و رابعا إن دفاعه عن هارون الرشيد في مسألة معاقرته للخمر، هو دفاع ضعيف جدا، لأنه لا يُوجد مانع يمنعه من شرب الخمر إلا التقوى، أما الاحتجاج بما كان عليه جده فهذا ليس دليلا أصلا. و أما قوله إن أشراف العرب كانوا يتورعون عن شرب الخمر في الجاهلية، فهذا غير صحيح، فقد كان العرب-في الغالب الأعم- يشربونها هم و أشرافهم و مواليهم و عبيدهم، و حتى الصحابة كانوا يشربونها قبل التحريم، و من المعروف أن قريشا لما خرجت إلى غزوة بدر، خرج معها كل أشرافها، و قال أبو لهب –لما جاء خبر نجاة العير- و هو من كبار أشرافها، قال: ((و الله لا نرجع، حتى نرد بدرا، فنقيم عليه ثلاثا، فننحر الجزور، و نطعم الطعام، و نسقي الخمر، و نعزف القيان)) [2]. و قد شرب أحد الصحابة الخمر حتى بعد تحريمها , و أُقيم عليه الحد [3]. و عليه فإن شرب
¥