ومن تعقَّل هذه الآيةَ وجدَ أنَّ هذه الحالةَ المندوبَ إليها عند سماعِ القرآنِ حالةٌ شريفةٌ يكفيها أنَّ الله تعالى قال عنها (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) , وقال الطبريُّ مفسراً هذه الجملةَ (هذا الذي يصيب هؤلاء القوم الذين وصفت صفتهم عند سماعهم القرآن من اقشعرار جلودهم ثم لينها ولين قلوبهم إلى ذكر الله من بعد ذلك (هُدَى اللَّهِ) يعني: توفيق الله إياهم وفَّقهم له.).
قال القاضي عياضُ رحمه الله وهو يذكرُ أوجهَ إعجازِ القرآنِ , وأنَّ منها الروعةَ التى تلحق قلوبَ سامعيه وأسماعَهم عند سماعه والهيبةَ التى تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله وإنامة خطره , قال:
(وأما المؤمن فلا تزال روعتُه به وهيبتُه إياه (يعني القرآن) مع تلاوته توليه انجذاباً وتُكسبه هشاشةً لميل قلبه إليه وتصديقه به قال الله تعالى (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلينُ جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) وقال (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل) الآية ويدل على أن هذا شئ خُصَّ به أنه يعترى من لا يفهم معانيه ولا يعلم تفاسيرَه)
فقل لي بربك أينَ الهيبةُ والرَّوعةُ من الضحك والصياحِ والتشجيعِ وطلبِ اإعادةِ من أجل حبكِ النَّغَم.؟
وكيفَ يترُكُ عاقلٌ هذا الهُدى الذي زكَّاهُ الله ويهشُّ ويطربُ كما رأيتُ أحدهم يتبسَّمُ ويشيرُ بيديهِ وهو يقرأ آياتٍ في ذكرِ الجنَّةِ امتثالاً لقواعدِ وتعليماتِ قناةِ الفجرِ , وهل يصحُّ هذا الحالُ الدالًُّ على الرضى والفرحةِ من عاقلٍ وهو لا يعلمُ إن كان يموتُ على الإسلامِ أو المجوسيَّةِ , ولماذا يُحملُ أهلُ الغناءِ الذين تدعوهم قناةُ الفجر لاستبدالِ الطربِ بالقرآن على أمنِ مكر الله فلا يأمنُ مكرَ الله إلا القومُ الخاسرونَ.!
وإذا قرأتَ كلامَ ابنَ كثيرٍ رحمهُ اللهُ وغيرهُ من المفسرينَ عند هذه الآيةِ ستجدُ عجباً من تقبيحِ وتبغيضِ صنيعِ أهل البدعِ المتواجدين والمتعاطينَ الزعيقَ والنهيقَ عند تلاوةِ القرآنِ , قال أبو زيد الشنقيطيُّ: وليت شعري ما الفرقُ بين هؤلاءِ المبتدعةِ وبين ما نسمعهُ في مدارسِ القومِ وتسجيلاتهم من صريخٍ وإعجابٍ وثناءِ وغيرهِ مما يخالفُ أمرَ الله بالإنصاتِ .. !؟
- قال اللهُ مادحاً أحوالَ المستمعين للقرآنِ (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) والصمَمُ المُعَبَّرُ عنهُ في هذه الآيةِ ليسَ الصمَمَ الذي يعالجُ عندنا اليوم بالسماعاتِ الطبيَّةِ وتنشأُ لأهليلهِ معاهدُ ومدارسُ خاصةٌ , ولكنَّهُ صممٌ عن إداركِ معاني المَتلُوِّ من كتاب الله تعالى يحولُ دون التعقُّلِ والتفهُّمِ لها , وقد عصمَ الله عباد الرحمنِ من هذه الصفةِ القبيحة الدالةِ على عظيمِ الغبنِ والحرمانِ , ولكنّهم إذا سمعوا القرآنَ أكبوا عليه سامعين بآذان واعية خاشعةٍ تتعقَّلُ المعنى وتتبَّعُهُ وتطلبهُ , وفي الآيةِ تعريضٌ بحالِ من حرمهُ الله فلا يعي من القرآنِ إلا حبكَ النَّغْمَةِ ومراعةَ السُّلَّمِ في صعودٍ وهبوطٍ.
فأينَ شعارُ القومِ (اطرَبْ تُؤجَر) من شعارِ عباد الرحمن (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ).
لفتةٌ لطيفةٌ:
قال الإمام الرازي: (أجمعت الأمة على أن الدعاء اللساني الخالي عن الطلب النفساني قليل النفع عديم الأثر) فكيفَ بالقرآنِ الخالي عن التدبُّرِ والموعظةِ والتحزينِ.
ـ[العلوشي الشنقيطي]ــــــــ[03 - 02 - 10, 02:17 ص]ـ
جزاك الله خيرا وبارك فيك ياشيخ افدتنا
لاكنك تحرص على نقل هذا الفعل بفتح عينه بقولك (اِطْرَبْ تُؤْجَرْ)
اليس الصحيح اطرب بكسر عينه افدني بارك الله فيك
ـ[نضال دويكات]ــــــــ[03 - 02 - 10, 03:37 ص]ـ
بارك الله فيكم جميعا
ولكن لا بد من بعض الملاحظات على الموضوع بشكل عام
أولا: ليس شرطا كما يعتقد البعض أن من يتعلم المقامات لا بد له من تعلم الموسيقى أو ان يجيد العزف على الالات المختلفة فالكثير بل المعظم يأخذ ذلك سماعا من القرآء وغيرهم وفرق بين تعلم الموسيقى والعز ف لتعلم المقامات وبين تعلم طرق الاداء وتحسين الصوت بالسماع المشروع
ثانيا: لا بد من معرفة المقامات وطبيعتها للحكم عليها بشكل سليم فلا يتيسر لإنسان أن يحكم على المقامات والقراءة بها دون ان يعلم ما هي فالبعض يقول أن المقامات هي أوزان الغناء ومنهم من يقول انها لحون ومنهم من يقول أنها طريقة الشعوب وسكان المناطق هنا وهناك في اداء كل ما يقولونه عند رفع الصوت
ثالثا: ليس كل مصطلح جديد في العرف والعادة يعني انه لم يكن موجودا زمن السابقين بل قد يكون موجودا لكن لم يصطلح عليه الا متأخرا ومثال ذلك احكام التجويد مثل الإدغام والإقلاب والإخفاء الا ترون ان الحكم كان زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام ولكن هذه المصطلحات جاءت فيما بعد فهل هذا يعني انها من البدع الضالة ام أنها من الترتيب والتنسيق لعلم التجويد وسهولة تعليه للناس
رابعا: إستخدام البعض المقامات بشكل سئ وخاصة من القراء لايعني تعميم الحكم بحرمتها وبدعيتها فهذه له علاجه الخاص والتنبيه عليه واجب دون تعميم الحكم على من يحسن ومن يسئ
خامسا: لاحظ بارك الله فيك بالنسبة للأذان فأنت عندما تسمع الأذان في السعودية ومعظم مناطق الخليج العربي فإنك تعلم أن المؤذن يؤذن بطريقة اهل الحجاز وما تعارفوا عليه وعندما تسمع الأذان في الشام غالبا فإنك تحس انه يختلف عن أذان أهل السعودية من ناحية الأداء
وعندما تسمع تركيا يؤذن تشعر بإختلاف وهكذا وهذا ما يتعارف عليه بين الناس أنه إختلاف الأداء المرتبط بأهل المناطق ففي الحجاز تجد شعورا خاصا وفي الشام شعور آخر وفي المغرب ما يناسبهم وووووو هكذا
وقد تجد بعض المغاربة يقلدون أهل الحجاز في الاداء والعكس وووووووووو
وهذا ما يتعارف عليه الان بالمقامات
وانا لا أريد ان اقرر حكما هنا لكن رأيت أنه من المناسب من توضيح بعض الامور لبعض الإخوة مما قد يساهم في إثراء النقاش بإذن الله
وساعود للمتابعة إن شاء الله
¥