- الثاني: إبراهيم، قاله جماعة من المحققين منهم الحافظ الجهبذ أبو الفداء ابن كثير قال – في دفع كلام الطبري – (2):" وعود الضمير إلى "نوح"؛ لأنه أقرب المذكورين، ظاهر. وهو اختيار ابن جرير، ولا إشكال عليه.
وعوده إلى "إبراهيم"؛ لأنه الذي سبق الكلام من أجله حسن، لكن يشكل على ذلك "لوط"، فإنه ليس من ذرية "إبراهيم"، بل هو ابن أخيه مادان بن آزر؛ اللهم إلا أن يقال: إنه دخل في الذرية تغليبًا، كما في قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133]، فإسماعيل عمه، ودخل في آبائه تغليباً.
وكما قال في قوله: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلا إِبْلِيسَ} [الحجر: 30، 31] فدخل إبليس في أمر الملائكة بالسجود، وذم على المخالفة؛ لأنه كان قد تشبه بهم، فعومل معاملتهم، ودخل معهم تغليبا، وكان من الجن وطبيعتهم النار والملائكة من النور.
وفي ذكر "عيسى"، عليه السلام، في ذرية "إبراهيم" أو "نوح"، على القول الآخر دلالة على دخول ولد البنات في ذرية الرجال؛ لأن "عيسى"، عليه السلام، إنما ينسب إلى "إبراهيم"، عليه السلام، بأمه "مريم" عليها السلام، فإنه لا أب له.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا سهل بن يحيى العسكري، حدثنا عبد الرحمن بن صالح، حدثنا علي ابن عابس عن عبد الله بن عطاء المكي، عن أبي حرب بن أبي الأسود قال: أرسل الحجاج إلى يحيى بن يَعْمُر فقال: بَلَغَني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، تجده في كتاب الله، وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده؟ قال: أليس تقرأ سورة الأنعام: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} حتى بلغ {وَيَحْيَى وَعِيسَى}؟ قال: بلى، قال: أليس عيسى من ذرية إبراهيم، وليس له أب؟ قال: صدقت.
فلهذا إذا أوصى الرجل لذريته، أو وقف على ذريته أو وهبهم، دخل أولاد البنات فيهم، فأما إذا أعطى الرجل بنيه أو وقف عليهم، فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه وبنو بنيه، واحتجوا بقول الشاعر العربي:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأجانب (3)
وقال آخرون: ويدخل بنو البنات فيه أيضا، لما ثبت في صحيح البخاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للحسن بن علي: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" () فسماه ابنا، فدل على دخوله في الأبناء. وقال آخرون: هذا تجوز "اهـ
وقال الشيخ ابن تيمية (4):" وإبراهيم أكرمهم على الله تعالى، وهو خير البرية، وهو أبو أكثرهم؛إذ ليس هو أب نوح ولوط، لكن لوط من أتباعه، وأيوب من ذريته بدليل قوله في سورة الأنعام (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ) ".
ـ[أبو قتادة وليد الأموي]ــــــــ[29 - 01 - 10, 09:55 ص]ـ
1 - تفسير ابن جرير (11/ 507).
2 - تفسير ابن كثير (3/ 297 – 298).
3 - ذكره ابن عقيل في شواهده على ألفية ابن مالك برقم (51) بلفظ (الأباعد) بدلًا من (الأجانب)، ج 1، ص 192 من تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد الذي قال معلقًا:" نسب جماعة هذا البيت للفرزدق، وقال قوم لا يعلم قائله، مع شهرته في كتب النحاة وأهل المعاني والفرضيين "اهـ
4 - صحيح البخاري برقم (2704) من حديث أبي بكرة، رضي الله عنه.
5 - النبوات: ص 28، طبعة السلفية.
ـ[أبو قتادة وليد الأموي]ــــــــ[30 - 01 - 10, 09:39 ص]ـ
فصل في قوله تعالى (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) [الأعراف: 198].
قال بعض المفسرين: الضمير عائد على الأصنام التي يدعوها المشركون من دون الله تعالى لأنه قال (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) [الأعراف: 197].
وعبر عنهم بضمير من يعقل، لأن الأصنام مصورة على صورة الإنسان، قاله قتادة واختاره ابن جرير وابن كثير رحمهما الله.
وقال السدي وروى عن مجاهد أن الضمير عائد على المشركين، وهو المختار؛ إذ لا حاجة إلى دعوة الأصنام إلى الهدى أصلًا. والمراد من قوله (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) أنهم ينظرون إلى الرسول عليه السلام ولا يفقهون عنه، ولا ينتفعون به. هذا في البصر ومثله في السمع قوله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال: 23].
ولذا قال ابن القيم رحمه الله (1):" ولهذا نفى الله عن الكفار السمع والبصر والعقول إما لعدم انتفاعهم بها فنزلت منزلة المعدوم،وإما لأن النفي توجه إلى أسماع قلوبهم وأبصارها وإدراكها؛ولهذا يظهر لهم ذلك عند انكشاف حقائق الأمور كقول أصحاب السعير: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك: 10].
ومنه في أحد التأويلين: قوله تعالى (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) [الأعراف: 198] فإنهم كانوا ينظرون إلى صورة النبي بالحواس الظاهرة ولا يبصرون صورة نبوته ومعناها بالحاسة الباطنة التي هي بصر القلب.
والقول الثاني: أن الضمير عائد على الأصنام، ثم فيه قولان:
أحدهما: أنه على التشبيه أي كأنهم ينظرون إليك ولا أبصار لهم يرونك بها.
والثاني: المراد به المقابلة تقول العرب: داري تنظر دارك أي تقابلها".
========
1) مدارج السالكين (2/ 410 - 411).
¥