وبعض القراء يبدأ بهمة ونشاط وتركيز، ولكنه بعد أن يقرأ قليلا من الصفحات يبدأ بالتململ التدريجي، حتى ينفلت الزمام من يديه، ويستيقظ فجأة بعد أن سبح في عالم رحب من الخواطر الشخصية البعيدة عن مادة الكتاب، قال طه حسين: " كثيرا ما نقرأ لنقطع الوقت لا لنغذو العقل والذوق والقلب، وكثيرا ما نقرأ لندعو النوم لا لنذوده عن أنفسنا " (خصام ونقد ص6).
وقد يؤدي ضعف التركيز أحيانا إلى اكتساب معلومات مضطربة أو مغلوطة أو ناقصة، مما يقود إلى نتيجة عكسية تضر القارئ ولا تنفعه، وقد يتعدى ضرره إلى غيره .. !
إن امتلاك القدرة على التركيز واستحضار الفكر امتلاك لزملم المادة العلمية، وهي السبيل الرئيس للوصول إلى الفهم والاتقان. ويختلف مقدار التركيز المطلوب في القراءة حسب طبيعة الكتاب المقروء؛ ومستواه. وحسب مستوى القارئ الثقافي أيضا، وحسب الهدف من القراءة؛ فمقدار التركيز الواجب لقراءة كتاب علمي متخصص يختلف عن التركيز المطلوب لقراءة قصة أدبية أو كتاب في الثقافة العامة.
وهذا يقودني إلى تقسيم القراءة إلى نوعين:
النوع الأول: القراءة التصفحية:
وهي القراءة التي يريد منها القارئ الاطلاع على مادة الكتاب وموضوعاته الرئيسة، ويريد منها التعرف من حيث الجملة على أبوابه وفصوله، ومنهج المؤلف وطريقة عرضه. وهذه الطريقة تصلح أن تكون مقدمة للقراءة، وبعدها يقرر القارئ جدوى إعادة قراءة الكتاب بتركيز، أو الاكتفاء بالتصفح السريع. والاكتفاء بذلك يصلح لتكوين معلومات عامة، ولكنه لا يبني علما راسخا.
النوع الثاني: القراءة العلمية:
وهي القراءة المركزة التي يستجيب فيها القارئ لمادة الكتاب، ويتفاعل معها، ويرمي إلى تحليلها وبيان أفكارها وأهدافها، وقد يدخل في حوار إيجابي معها. وهذا النوع من القراءة هو الطريق الصحيح للبناء العلمي والمعرفي. ولأهميتها في تثبيت المعلومات، ولأهمية الكتاب المقروء قد يرى القارئ إعادة قراءته عدة مرات لترسيخ المكتسبات العلمية التي تحصل عليها، ولاكتساب معلومات أخرى ربما لم تتيسر له في القراءة الأولى، وها هو ذا المزني يقرأ كتاب (الرسالة) للإمام الشافعي خمسمائة مرة! (مقدمة الرسالة ص 4)
وآفة كثير من القراء أن أحدهم قد يعمد إلى قراءة الكتاب العلمي العميق قراءة تصفحية كما يقرأ الجريدة، ويكون همه الانتهاء من الكتاب، ولك أن تتخيل ماذا يمكن أن تكون حصيلة القارئ حينما تكون هذه طريقته دائما في القراءة .. !!
وقد ذكر العلماء والتربويون أسبابا كثيرة تعين القارئ على التركيز، مثل: اختيار الأوقات المناسبة، والاماكن الملائمة الخالية من الصوارف، وأن يكون خالي الذهن، ولديه الاستعداد العقلي والنفسي الذي يعنيه على استجماع قدراته الفكرية .. ونحو ذلك مما يطول وصفه، ولكن يجمعها وصف واحد وهو: أن يكون جادا حريصا ذا همة صادقة؛ فمن امتلك هذا الوصف حرص على تذليل كافة العقبات التي قد تعرض له.
كتبه: عبد الرحمن الصويان
ـ[الجكني]ــــــــ[18 Apr 2007, 07:38 م]ـ
أرى أن هذا المقال ليس من بابة هذا الملتقى 0