[رواية حفص عن عاصم ليست من مرويات الطبري في القراءات]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[14 Nov 2003, 03:05 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فكنت قد طرحت في هذا الملتقى موضوعًا يتعلق بالقراءات عند ابن جرير، وخلصت فيه إلى أن ابن جرير لا يردُّ قراءةً متواترةً، وعللت ذلك الأمر بما تجده على هذا الرابط ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=991) .
واليوم ظهر لي أن ابن جرير الطبري لم يكن عنده سند بقراءة حفص عن عاصم، وإني أستبيحكم أيها القراء الكرم عذرًا في أن أذكر لكم قصة هذه الفائدة:
كنت يوم الثلاثاء الموافق (17: 9: 1424) أكتب في تفسير (جزء تبارك) تفسيرَ قوله تعالى: (نَزَّاعَةً لِلشَّوَى) (المعارج:16)، فقرأت في تفسير الطبري ط: دار هجر (23: 216) ما نصُّه: (( ... والصواب من القول في ذلك عندنا أن لظى الخبر ونزاعة ابتداء فذلك رفع ولا يجوز النصب في القراءة لإجماع قراء الأمصار على رفعها ولا قارئ قرأ كذلك بالنصب وإن كان للنصب في العربية وجه)).
فاستغربت قولَه هذا؛ لأنَّ قراءة حفص بنصب (نزاعةً)، والطبري يقول: ((ولا قارئ قرأ كذلك بالنصب، وإن كان للنصب في العربية وجه))، وعلقت عليه بأن كلامه يشير إلى أنه لم يكن عنده سندٌ بقراءة حفص عن عاصم.
ثمَّ رأيت من الغد الشيخ المقرئ محمد بن عوض زايد الحرباوي أستاذ القراءات في قسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بالرياض، فعرضت عليه كلام الطبري، فاستغربه، فذكرت ما توقعته من كون سند حفص ليس من مرويات الطبري.
فقال لي: لو رجعت إلى كتابي (مفردات القراءات العشرة من طريق الشاطبية والدرة) إلى قراءة ((معذرةً)) بالنصب فإنها من مفردات حفص، ونظرت ماذا يقول فيها، فلما اطلعت على كتابه ـ وهو نفيس في هذا الباب ـ تتبعت كل مفردات حفص، وقرأت تعليقات الطبري عليها، فظهر لي بجلاءٍ ما توصلت إليه ـ وسيظهر لك ـ أيها القارئ الكريم ـ من خلال الأمثلة التي سأستعرضها لك إن شاء الله.
وأثناء بحثي في هذه المفردات وعرضها على تفسير الطبري اتصل بي الأخ الباحث حسين المطيري أستاذ القرآن بقسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بالرياض، فعرضت عليه ما توصلت له، فطرب له واستحسنه، وذكر لي فائدة نفيسة تتعلق بطريقي عاصم، وهو أن طريق شعبة هو المقدم عند المتقدمين، ولعل هذا يشير إلى عدم ورود سند حفص عند الطبري، وهذه الفائدة نصٌّ لابن مجاهد في كتاب السبعة (ص: 71)، قال فيه: ((وإلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة وليست بالغالبة عليهم؛ لأن أضبط من أخذ عن عاصم أبو بكر بن عياش ـ فيما يقال ـ لأنه تعلمها منه تعلما خمسا خمسا.
وكان أهل الكوفة لا يأتمون في قراءة عاصم بأحد ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش، وكان أبو بكر لا يكاد يُمَكِّن من نفسه من أرادها منه، فقلَّتْ بالكوفة من أجل ذلك، وعَزَّ من يحسنها، وصار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات)).
وإذا تأملت هذا النصَّ ظهر لك أن قراءة حفص عن عاصم في وقت الطبري (ت: 310) الذي كان في طبقة شيوخ ابن مجاهد (ت: 324) لم يكن لها قبول كغيرها.
وبعد ذكري لك قصة هذه الفائدة أذكر لك أمثلة من تفسير الطبري تدلُّ على أنه لم يكن عنده سند حفص عن عاصم:
المثال الأول: قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) (الكهف:59).
قال الطبري: ((واختلفت القراء في قراءة قوله: (لمهلكهم):
فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق (لِمُهْلَكِهم) بضم الميم وفتح اللام، على توجيه ذلك إلى أنه مصدر من أهلكوا إهلاكا
وقرأه عاصم (لِمَهْلَكهم) بفتح الميم واللام على توجيهه إلى المصدر من هلكوا هلاكا ومهلكا.
وأولى القراءتين بالصواب عندي في ذلك قراءة من قرأه (لِمُهْلَكهم) بضم الميم وفتح اللام؛ لإجماع الحجة من القراء عليه، واستدلالا بقوله: (وتلك القرى أهلكناهم)؛ فأن يكون المصدر من (أهلكنا) إذ كان قد تقدم قبله أَولى)). تفسير الطبري، ط: دار هجر (15: 306 ـ 307).
¥