[نشأة علم التجويد وحال مصنفاته القديمة]
ـ[فرغلي عرباوي]ــــــــ[11 Sep 2005, 03:35 م]ـ
[نشأة علم التجويد وحال مصنفاته القديمة]
كيف نشأ علم التجويد؟
وكيف حال مصنفاته الأولى؟
بالجواب عن هذا السؤال سوف يكشف لنا الغطاء عن كثير من القضايا التي ظهرت بعد عصر الاحتجاج , والتي أسسها بعض العلماء المتأخرين , وهناك قواعد دخلت على أبحاث التجويد قد عرفت في إعمال علماء التجويد المتأخرين فحسب , وهذه الأفكار لم تكن تعرف في إعمال علماء التجويد منذ مراحله الأولى.وبالسباحة في تاريخ علم التجويد سوف نتعرف على كثير من القضايا التي يحتاج معرفتها الباحثون في علوم القرآن , ومن افضل المصنفات التي بين يدي التي بحث نشأة وتاريخ هذا العلم ما كتبه شيخ المحققين في عصرنا الدكتور غانم قدروي الحمد , فهو في رأي منفرد بالتصنيف في هذا الموضوع.
أما نشأة علم التجويد فلا بد للباحث قبل الخوض في الحديث عنها أن يعلم , إن كتب علم التجويد القديمة تكاد تكون مجهولة لدى معظم المشتغلين بالدراسات الصوتية العربية في الوقت المحاضر. وهي تكاد تكون مجهولة أيضا لدى معظم المشتغلين بدراسة علوم القرآن عامة وعلم التجويد خاصة.
ولا يزال معظم تلك الكتب مخطوطا بعيدا عن متناول أيدي الباحثين , ولعل ذلك هو أحد الأسباب التي حال بين الباحثين المعاصرين والاستفادة من المادة الصوتية التي تضمنتها تلك الكتب. ويبدو أن الرسائل المتأخرة الموجزة التي كتبها المتأخرون وبعض المعاصرين في علم التجويد كانت من بين الأسباب التي صرفت الدارسين عن تتبع كتب علم التجويد القديمة ودراستها والاعتماد عليها , وذلك لما يغلب على تلك الرسائل من الإيجاز الذي أدى إلى غموض العبارات في كثير من الأحيان.
لم يُعْرفْ مصطلح (التجويد) بمعنى العلم الذي يُعْنى بدراسة مخارج الحروف وصفاتها وما ينشأ لها من أحكام عند تركيبها في الكلام المنطوق إلا في حدود القرن الرابع الهجري, كذلك لم يعرف كتاب أُلِّفَ في هذا العلم قبل ذلك القرن , ومعنى هذا أن علم التجويد تأخر في الظهور علما مستقلا بالنسبة إلى كثير من علوم القرآن وعلوم العربية أكثر من قرنين من الزمان.
وقد جاء في بعض المصادر المتأخرة أن الصحابي عبد الله بن مسعود – رضى الله عنه – قال: " جوِّدُوا القرآن ... " واستند بعض المُحْدثِين إلى هذه الراوية في القول بأن نشأة علم التجويد ترجع إلى عصر الصحابة , وقال: " ولسنا نملك لهذا النوع من الدراسة مادة كافية تسمح بتتبع تطوه ووصف المراحل التي قطعها حتى صار علما مستقلا هو (علم التجويد) , وكل الذي يعرف عن مراحله الأولى أن أول من استخدم هذه الكلمة في معنى قريب من معناها هو ابن مسعود الصحابي الذي كان ينصح المسلمين بقوله: (جوّدوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات) ... ويبدو أن نشأة علم التجويد جاءت استجابة لدعوة ابن مسعود , ومحاولة لتقنين قواعد القراءة اقتفاء لأثره ... ".
وحين تتبعت هذه الرواية في المصادر القديمة وجدت أنها تنقل الرواية على نحو آخر لا تصلح معه للاستشهاد في ما نحن بصدده , فقد جاء فيها (جَرِّدُوا) بالراء بعد الجيم مكان (جوّدوا) بالواو بعد الجيم , ويترجح لديَّ أن الرواية تصحفت في المصادر المتأخرة , لأنها تنقل النص بإسناد ينتهي إلى أسانيد المصادر القديمة , ثم يختلف النص بعد ذلك في حرف واحد وهذه الرواية تتعلق في الأصل بموضوع تجريد القرآن من الزيادات المتمثلة بالخموس والعشور وأسماء السور ونحو ذلك.
ومن المعلوم أنه لم يرد في القرآن الكريم من مادة (ج و د) شئ في وصف القراءة , كذلك لم يرد في (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) الذي يعتمد على تسعة من أشهر كتب الحديث , شيئا من ذلك. وهذا أمر يمكن يستدل به على أن كلمة (التجويد) لم تكن مستعملة في عصر النبوة بالمدلول الذي صارت تدل عليه فيما بعد.
وكانت هناك كلمات أخرى تستخدم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في معنى كلمة التجويد. مثل: الترتيل , والتحسين , والتزيين , والتحبير , وهي تستخدم في وصف القراءة حين تكون مستوفية لصفات النطق العربي الفصيح , جامعة إلى ذلك حسن الصوت والعناية بالأداء ولم يرد من هذه الكلمات الأربع في القرآن الكريم سوى كلمة الترتيل.
¥