[الإجازة والاسناد بين التساهل والتشديد (عند القراء)]
ـ[محمد البكري]ــــــــ[10 Aug 2005, 02:56 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الله ـ نعالى ـ قد يسر القرآن لتاليه، وأجزل الأجر لقاريه، فإن تلا وأحسن تشرف بمرافقة السفرة الكرام البررة وإن تلعثم وتتعتع حصل له الأجر مرتين، والله يضاعف لمن يشاء، وأنت ـ أخي القارئ ـ تجد ذلك واضحا ً في قوله تعالى ((ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)).
وعطفاً لما سبق فإن الأجدر لطالب العلم أن يجتهد في التحصيل، ويواظب حتى يكون ماهراً بقراءة التنزيل، وليس من طريق قويم، ومنهج مستقيم لتحصيل الثواب العظيم إلا بدخول البيوت من أبوابها، ولزوم صاحب فن متقن لها.
ومع كثرة الصوارف، وبعد المفاوز، أصبح شاقاً على طالب العلم تحصيل إجازة في الإقراء من أهلها الذين ـ وفقهم الله ـ لنيلها على أساتذتهم.
وقد تياينت طرق الأداء لطالبي الإسناد والاقراء حسب الشيخ المقرئ فمنهم المتساهل الذي همه الإنجاز بالدرجة الأولى حتى إني قد لاحظت على بعضهم من الذين أجيزوا يقعون في بعض الأغلاط التي لا تقبل حتى من صبي وعلى النقيض من ذلك فمنهم المتشدد الذي يبقى الطالب عند سنوات طويلة بل بعضهم يفرط في ذلك فيبقي بعض طلابه في الفاتحة ما يربو على ثلاثة الأشهر وهذا لعمري من التكلف الذي نهينا عنه ((قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين)).
أرجو من الإخوة الأعضاء والضيوف الكرام عند قراءة هذا المقال أن يعلقوا عليه، وأن يقترحوا بعض الحلول الناجعة التي تحصل بها الفائدة ويتم من خلالها النفع، والله من وراء القصد.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[10 Sep 2005, 12:09 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع (إجازات قراء القرآن) من الموضوعات الطريفة التي لم تفرد بالبحوث، وقد قدم الدكتور محمد بن فوزان العمر في ندوة عقدتها الجمعية العلمية للقرآن بحثاً حول هذا الموضوع، وطبعه بعد ذلك في دار الحضارة بالرياض، ويقع البحث في 78 صفحة من القطع العادي.
والناظر في تراجم المقرئين يلحظ الفروق بينهم في التساهل والتشدد والتوسط في إجازاتهم، من حيث طريقتهم في منحها، أو صيغة الإجازة المكتوبة. ولو تتبع باحث جاد تاريخ الإجازات، ومخطوطات الإجازات القرآنية خاصة، والخطوط التي كتبت بها، لكان في ذلك نفع وفائدة لطلاب العلم.
وقد مر بي في تراجم القراء، ورأيت من مشايخنا أصنافاً من هؤلاء العلماء المقرئين، فمنهم المتشدد الذي يبالغ في اشتراط منح الإجازات حتى لا يكاد يحصل الطالب على الإجازة إلا بعد مشقة شديدة، وفي زمن متطاول. وربما مكث أحدنا السنة والسنتين في رواية واحدة، لشدة الشيخ في الشرط، وكثرة الطلاب الذين يقرأون على الشيخ، وقلة المقرر كل يوم حتى ربما لا يتجاوز نصف الصفحة أو العشر آيات.
وقد ذكر ابن الجزري في ترجمة عبدالرحمن بن داود أبي القاسم ابن أبي طيبة المتوفى سنة 273هـ أنه لم يكن يزيد في إقرائه لطلابه في اليوم عن عشر آيات، وربما خمس آيات، ولم يكن يقرئ طلابه في المسجد الجامع. [انظر: غاية النهاية 1/ 368].
بل إن أبا بكر بن عياش ذكر أنه قال له عاصم بن أبي النجود: ألا تقرأ علي كما قرأ يحيى على عبيد بن نضلة، كل يوم آية؟! [غاية النهاية 1/ 498] وهذه القراءة المتأنية هي قراءة التلقين، ويأخذ معها الطالب التفسير والأحكام، حيث يقرأ المعلم على الطالب الآية والعكس حتى يتقنها، وقد ذكر عاصم بن أبي النجود أنه أخذ القرآن على زر بن حبيش ثلاثاً ثلاثاً، وزر أخذه عن ابن مسعود آية آية. [انظر: جمال القراء للسخاوي 2/ 446].
فهذه الطريقة في الإقراء أثبت وأنفع للطالب، ولكنها تستغرق وقتاً طويلاً جداً، يصل إلى أكثر من عشر سنوات، ولذلك ذكر ابن الجزري أن الطيب بن إسماعيل بن حمدون الذهلي المتوفى سنة 240هـ قرأ على حسين الجعفي القرآن الكريم يوم آية، قال: وختمته عليه في خمس عشرة سنة. [غاية النهاية 1/ 344] وهي مدة طويلة لا تكاد تتيسر ملازمتها للشيخ في زماننا هذا إلا للقليل من الطلاب. غير أن المتشددين من الشيوخ يجدون في أمثال هؤلاء قدوة في التشدد مع الطلاب في منحهم الإجازات، والضن بالإجازة إلا على أهلها.
¥