[إخفاء الميم الساكنة عند الباء بقلم أ. د. غانم قدوري الحمد]
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[14 May 2005, 09:20 ص]ـ
إخفاء الميم الساكنة عند الباء
http://www.itimagine.com/hoffaz/forqan/F2005/F40/furqan40-04.htm
مجلة الفرقان العدد40
إخفاء الميم الساكنة عند الباء
أ. د. غانم قدوري الحمد*
كلية التربية - جامعة تكريت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فإن جمهور أهل الأداء في زماننا يصفون نطق الميم الساكنة قبل الباء في مثل: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم: 28]، وفي مثل: {أَنْ بُورِك} [النمل:8]،بأنه إخفاء، ومنهم من يسميه إخفاءً شفويّاً، لكنهم مختلفون في كيفية نطق الميم المخفاة، فمنهم من يطبق شفتيه للميم والباء، ومنهم من يفتح شفتيه قليلاً لنطق الميم، ثم يطبقهما لنطق الباء.
وكنت قد درست هذا الموضوع، وجمعت أقاويل العلماء فيه في وقت سابق (1)، والذي جعلني أعود إليه هو أني وقفت على أدلة جديدة تعزّز ما رجحته من قبل في كيفية نطق الميم المخفاة عند الباء، ويمكن أن أعرض تلك الأدلة من خلال تقسيمها إلى دليل نقلي وآخر عقلي:
(1) الدليل النقلي:
وقفت مؤخراً على نص يؤكد بشكل واضح انطباق الشفتين في إخفاء الميم عند الباء، فقد قال عبد الواحد بن محمد بن علي بن أبي السداد، أبو محمد المالقي (ت 705هـ) في كتابه: شرح التيسير للداني، المسمى: الدر النثير والعذب النمير، وهو يتحدث عن قلب النون الساكنة والتنوين ميماً قبل الباء: " لا خلاف في لزوم القلب في جميع هذه الأمثلة وما أشبهها، وحقيقة القلب هنا أن تلفظ بميم ساكنة بدلاً من النون الساكنة، ويُتَحَفَّظُ من سريان التحريك السريع، ومعيار ذلك: أن تنظر كيف تلفظ بالميم في قولك: الخَمْر والشَّمْس، فتجد الشفتين تنطبقان حال النطق بالميم، ولا تنفتحان إلا بالحرف الذي بعدها، وكذا ينبغي أن يكون العمل في الباء، فإن شرعت في فتح الشفتين قبل تمام لفظ الميم، سرى التحريك إلى الميم، وهو من اللحن الخفي الذي ينبغي التَّحَرُّزُ منه، ثم تلفظ بالباء متصلة بالميم، ومعها تنفتح الشفتان بالحركة، وَلْيُحْرَزْ عليها ما تستحقه من الشدة والقلقلة " (2).
وهذا النص وإن كان يختص بنطق الميم المنقلبة عن النون الواقعة قبل الباء في مثل {أن م بُورِكَ} فإنه ينطبق على نطق الميم الساكنة قبل الباء في مثل: {وما لَهُمْ بِه}، يؤكد ذلك قول عبد الوهاب القرطبي (ت 461 هـ):" فلا يوجد في اللفظ فرق بين قوله: {أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} [الرعد:33]، {أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8]، وبين قوله: {أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ} [نوح:17]، {أَنْبِئُونِي} [البقرة:31]، سواء كان ما قبل الباء نوناً أو ميماً، لا فرق بينهما، كله في اللفظ سواء" (3)، كما يدل عليه عدم تفريق أهل الأداء في زماننا بين الحالتين.
والمالقي، صاحب القول السابق، قال عنه ابن الجزري:" أستاذ كبير، شرحَ كتاب التيسير شرحاً حسناً، أفاد فيه وأجاد" (4)، قرأ على عدد من شيوخ الإقراء في زمانه، منهم الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص المعروف بابن الناظر (ت 680هـ) قاضي المرية ومالقة، والذي قال عنه ابن الجزري:" الأستاذ المجوِّد ... تصدر للإقراء بمالقة، وألَّف كتاباً كبيراً حسناً في التجويد، سمَّاه: الترشيد، قال أبو حيَّان: رحلت إليه قصداً من غرناطة لأجل الإتقان والتجويد " (5).
والتعريف بالمالقي وكتابه يحتمل تفصيلاً أكثر من هذا، لكن خشية الإطالة تمنع من ذلك الآن، ولعل القارئ يدرك مما ذكرته عنه منزلة الرجل وعلو قدره في علم التجويد، وقيمة رأيه العلمي في الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه، وأحسب أن قوله السابق مستغن عن التعليق، لوضوح دلالته على وجوب انطباق الشفتين عند نطق الميم الساكنة قبل الباء، بل هو يجعل انفتاحهما من اللحن الخفي!
(2) الدليل العقلي:
¥