[نظرات في غاية النهاية (2)]
ـ[الجكني]ــــــــ[01 Sep 2006, 02:07 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المسألة الثانية من المسائل التي جعلتها تحت عنوان "نظرات في غاية النهاية "وهي من المسائل المهمة؛ليست لهذا الكتاب فحسب،بل مهمة "للنشر " والطيبة " وتهم أكثر إخواننا الملتزمين ب "التحريرات "،خلاصة هذه المسألة هي:أن ابن الجزري رحمه الله تعالى ذكر (ثلاثة) طرق في "النشر " – وهذا يدل أصالة على أنها طرق (صحيحة،متصلة،متواترة) لكن جاء في "غاية النهاية " وأفاد بأن هذه الطرق غير (صحيحة) ومن أبعد البعيد أن تكون (متصلة) هذا معنى كلامه 0
أما هذه الطرق فهي:
1 - - طريق أحمد بن الصقر؛ من قراءة الهذلي عليه، عن أبي القاسم زيد بن أبي بلال عن الداجوني عن هشام، قال المؤلِّف في ترجمته: روى القراءة عن زيد بن أبي بلال فيما ذكره الهذلي، وقراءته على زيد من أبعد البعيد. اهـ (غاية:1/ 63)
2 - طريق الحسن بن خشيش؛ نفس التي قبلها، قال في ترجمته: روى القراءة عرضاً عن زيد بن علي؛ وهو بعيد (1/ 223)
3 - محمد بن يعقوب الأهوازي البغدادي؛ كالتي قبلها، قال في ترجمته: قرأ على زيد فيما زعم، ولا يصح ذلك. اهـ (2/ 283)
وقال المؤلّف في ترجمة زيد بن أبي بلال عندما ذكر هؤلاء الثلاثة وأن الهذلي ذكر قراءتهم عليه: وذلك بعيد جداً. اهـ (1298 - 299)
وذكر أيضاً في ترجمة الهذلي أنّ لأبي العلاء الهمداني "حاشية "على أسانيد "الكامل" ردّ فيها الخطأ والوهم إلى الصواب وأنه سكت عن كثير، وكان من بعض ما سكت عنه هؤلاء الثلاثة ولم ينكر عليهم قراءتهم على زيد مع أنها لا تصح، وهذه نصّ عبارة ابن الجزري أنقلها لدلالتها على مراد البحث، ولأن بيانه عن مراده أوضح من بيان غيره عنه، قال رحمه الله: وقد وقع له –الهذلي- أوهام في أسانيده، وهو معذور في ذلك لأنه ذكر ما لم يذكره غيره، وأكثر القراء لا علم لهم بالأسانيد فمن ثمّ حصل الوهم، وللحافظ أبي العلاء الحواش على ذلك، ردّ أكثرها إلى الصواب وسكت عن كثير؛ فمن ذلك قول الهذلي: إنه قرأ على: أحمد بن الصقر والحسن بن خشيش ومحمد بن يعقوب، وأنهم قرؤوا على زيد بن علي بن أبي بلال، ولم أر الحافظ أبا العلاء أنكر ذلك، ومن أبعد البعيد قراءته -الهذلي- على أحد ((في الغاية: أحمد،وهو تحريف) من أصحاب زيد؛ فإن آخر أصحاب زيد موتاً الحسن بن علي بن الصقر، قرأ عليه لأبي عمرو فقط، ومات سنة تسع وعشرين وأربعمائة عن أربع وتسعين سنة، ولم يدركه الهذلي، وأيضاً فإن هؤلاء الثلاثة لا يعرفون، ولو كانوا قد قرؤوا على زيد وتأخروا حتى أدركهم الهذلي في حدود الثلاثين وأربعمائة أو بعدها؛ لرحل الناس إليهم من الأقطار واشتهر اسمهم في الأمصار. اهـ (الغاية:2/ 400 - 401)
يرى القارئ لهذا النصّ الطويل والمهم استبعاد ابن الجزري قراءة هؤلاء الثلاثة على زيد؛ بل وقراءة الهذلي على أحد من أصحاب زيد، وهو ما يثير عدة نقاط للبحث:
1 - إذا كان ذلك كذلك فلماذا اختار هذه الطرق الثلاثة في "نشره" مع خروجها الصريح عنده عمّا اشترطه والتزمه؟.
2 - ما هو المعتمد -والحال هذه- في هذه الطرق عند ابن الجزري؟ هل هو ما في "نشره"؟ أم ما في "غايته"؟
فالخلاف جوهري جداً؛ لأنه في حالة اعتماد ما في "النشر" فمعنى ذلك أنها طرق صحيحة موصولة ومقروء بها، وأمّا في الحالة الأخرى فالعكس تماماً؛ أي أنها طرق منقطعة الإسناد فلا يقرأ بها لمخالفتها شرطاً من شروط صحّة القراءة؛ خاصّة عند من يلزمون أنفسهم بتحريرات "الطَّيِّبة".
إذن: ما هو الحلّ، أو كيف يجمع بين هذين النقيضين؟
بعد بحث المسألة -حسب الجهد- اتّضح أن ما في "النشر" هو المعتمد والمعوّل عليه من كلام ابن الجزري؛ ليس لأنه المتأخر في التأليف، لا، فهذه مسألة لا يمكنني إثباتها بحال، ولكن للأسباب الآتية:
1 - أنّ ما ذكره في "غايته" لم يأت بصيغة الجزم، بل عبّر فيه بصيغة الاستبعاد، مما يعني أن في الأمر فسحة للرأي والنقد، وأن بالإمكان معارضة ذلك، وتوضيح ذلك:
إنّ استبعاد ابن الجزري قراءة الهذلي على أحد من أصحاب زيد مستدلاًّ بأن آخر أصحاب زيد موتاً توفي سنة › 429‹ يجاب عنه ب: إن كان بعيداً فليس مستحيلاً، لأنه قد ثبت في الواقع تتلمذ الهذلي على واحد من تلاميذ زيد، وهو الحافظ أبو نعيم.
¥