تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأنا أطالِبُك الآن أن تتراجَعَ عَن قَولِك في "مُشارَكَتِك الأخيرة": "إذن هي –أي: رَضي اللهُ عَنهم- كلمة ابتدعناها وليس في ذلك إشكال"!!!

واعْلَم أخي أنَّ هذه الآيةَ إخبارٌ مِن اللهِ -سُبحانَه وتَعالَى- بأنَّه "قَد رَضي عَن السَّابِقين الأوَّلين مِن المُهاجِرينَ والأنصارِ والذينَ اتَّبَعوهم بإحْسَان" [كما في «تَفسير ابن كَثير»: (2/ 383: 384، طـ مُصطَفَى البابي الحَلبي بمصر).

فهذه الآيةُ الكَريمةُ السابِقَة أصلٌ عَظيمٌ في مَشروعية التَّرَضي عَن الصَّحابَة حين يَمُرُّ ذِكرُ أحَدِهم؛ وهذا هو هَديُ سَلَفِنا الصَّالِح –عَليهم رحمَةُ اللهِ جَميعًا؛ قال الإمامُ (النَّوَوي) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى- وهو يَذكُر أدَبَ كاتِب الحَديث: "وكَذَلِك يَقولُ في الصَّحَابي "رَضيَ اللهُ عَنه"، فإن كان صَحَابيًّا ابنَ صحابي قَالَ "رَضيَ اللهُ عَنهما"، وكَذَلِك يَتَرَضَّى ويتَرَحَمُ عَلَىَ سائِر العُلماء والأخيار" [«صَحيح مُسلِم بِشَرح النَّوَوي»: (1/ 39)، وراجِع: «تَذكِرَة السَّامِع والمُتكَلم في أدَب العالِم والمُتعَلِم» / لِبَدر الدين بن جَمَاعَة –رَحِمَه اللهُ-: (ص 176)، و «مُقَدِّمَة ابن الصَّلاح»: (ص 372)، و «الجَامِع لأخلاقِ الرَّاوي وآدَابِ السَّامِع» / للإمام (الخَطيب البَغدادي) –رَحِمَه اللهُ-: (2/ 141)] (1).

وقال الإمامُ (ابنُ كَثيرٍ) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى-: "وأمَّا أهلُ السُّنَّة فإنَّهم يَتَرَضَّونَ عَمَّنَ رَضيَ اللهُ عَنه وَيَسُبُّونَ مَن سَبَّه اللهُ ورَسولُه، وَيُوالُون مَن يُوالي اللهَ ويُعادُون مَن يُعادِي اللهَ، وَهُم مُتَّبِعُونَ لا مُبْتَدِعون، وَيَقتَدون ولا يَبْتَدون، وهؤلاء هُم حِزبُ اللهِ المُفلِحون وعِبادُه المؤمِنون" اهـ كلامُه –رَحِمَه اللهُ- نَقلا مِن «تَفسيرِه»: (2/ 384).

فنَحنُ –المُسلمين- حين نَترَضَّي عَن الصحابَة بِقَولِنا: "رَضيَ اللهُ عَنهم"؛ فإنَّما نَحن مُتَّبِعون لا مُبتَدِعون، ومُقتَدون بالقُرآن لا مُبتَدون. والتَّرَضي مِنَّا عَنهم إمَّا إخبارٌ وإقرارٌ مِنَّا بِرِضَا الله عَنهم (وهذا يُفيد الإيمانَ بِكتابِ الله وتَصديقِه)، أو دُعاءٌ لَهم؛ وهذه شيمَةُ أهل الإيمان؛ كَمَا قال اللهُ تَعالَى: (والذينَ جاءُوا مِن بَعدِهم يَقولون رَبَّنَا اغفِر لَنَا ولإخوانِنَا الذين سَبَقونَا بالإيمانِ ولا تَجْعَل في قُلوبِنَا غِلا للذين آمَنُوا رَبَّنَا إنَّك رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحَشر: 10]؛ فأمَرَنا اللهُ –سُبحانَه وتَعالَى- بالاستغفار للصحابَة وذِكرِ مَحاسِنِهم؛ "فَمَن لم يَستَغفِر للصَّحَابَة على العُموم ويَطْلُبْ رِضوانَ اللهِ لَهم؛ فِقَد خالَفَ ما أمَرَه اللهُ به في هذه الآية، فإن وَجَدَ في قَلبِه غِلا لهم فقد أصابَه نَزغٌ مِن الشَّيطان وحَلَّ به نَصيبٌ وافِرٌ مِن عِصيانِ الله بِعَداوَةِ أوليائِه وخَير أمَّةِ نَبيه (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم)، وانفَتَح له بابٌ مِن الخُذلان يَفِدُ به على نارِ جَهَنَّم إن لم يَتَدارَك نَفسَه باللجأ إلى اللهِ –سُبحانَه- والاستغاثَةِ به؛ بأن يَنزَعَ عَن قَلبِه ما طَرَقَه مِن الغِلّ لِخَيرِ القُرونِ وأشرَفِ هذه الأمَّة" [نَقلا مِن «فَتح القَدير الجامِع بَينَ فَنَّيّ الرِّوايَة والدِّرايَة في عِلم التَّفسير» / للإمامِ (الشَّوكانِي) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى-].

وهذه الآيَةُ الكَريمَة رَدٌ كافٍ على قَولِي أخينا (؟؟؟): "وليست الآيَةُ -أي: قولُ اللهِ –تَعَالَى-: (لَقَد رَضي اللهُ عَن المؤمِنين إذ يُبايعونَك تَحتَ الشَّجَرَة) [الفَتح: 18]- إنشائيةٌ بأمر، لَو كانَت إنشائيةً لجاءَت في صيغة الأمر". وهي رَدٌ أيضًا عَلَى قَولِه: "وَلَسَمِعْنا المُتأخرين مِنَ الصَّحَابَة يَتَرَّضَّونَ على [كذا، والصَّواب: عَن] الأوَّلين في حُضورِهم أو غيابِهم"؛ وهذا ما تُؤكِدُ الآيةُ خِلافَه تَمامًا! وهي أيضًا رَدٌ عَلَى قَولِه: "هَذه الكَلِمَة –أي: رَضي الله عَنهم- لم تَكُن تُقال في عَهد الصَّحابَة، ولَم نَسمَع أحَدًا مِنَ الصَّحابَة خَاطَبَ صحابِيًّا آخَرَ قائلا له: رضي الله عنك". واللهُ –تَعالَى- أعْلَم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير