(6) قَولُك: "إنَّ القَولَ بِضَلالِ مَن قَالَ "صَدَقَ اللهُ العَظيم" كَمَثَلِ ذلِك الذي رأى النَّصارَى وَاليَهودَ يُسارِعُون في مَدِّ يَدِ العَون والمُساعَدَة لإخوانٍ لَنَا أصابَهُم نَقْصٌ مِنَ الثَّمرات وابتُلُوا بالجَفَافِ والجُوع، فقال: لا تتشبهوا [كذا؛ والأولَى: تَشَبَّهُوا] باليَهودِ والنَّصارَى حَتَّى وَلَو كانَ في الإحْسان، وَلا تَمُدُّوا يَدَ العَون لإخوانِنَا في الصُّومَال والسُودَان؛ لأنَّ اليَهودَ وَالنَّصارَى سَبَقُونَا إلَى ذلك وَنَحْن لا نُريد أن نَتَشَبَّه بِهم" اهـ.
قُلتُ
أولا: مَتى كان اليَهودُ والنَّصارَى يُسارِعون في مَدِّ يَدِ العَون والمُساعَدَة لإخوانِنَا في الصُّومَال والسُودَان؟!! رُبَما تَقصِد: يُسارِعون في مَدِّ يَدِ العَونِ والمُساعَدَة لاقتلاع جُثَثِهم لِتَطهير أراضي المُسلمينَ مِنها!
ثانيًا: كلامُك فيه سُخريَة واستِهزاء ولَمزٌ لإخوانِك المُسملين! أيَليقُ هذا ونَحنُ نتدارَسُ أحكامَ اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ-؟!
وأحيلُك –أخي- على ما نَصَحتُك به في رَدي على استشكالِك (رَقم (1) – ثالِثًا).
ثالثًا: حَقًّا؛ أنا لا أفهَم وَجْهَ الشَّبَهِ بَينَ مسألَتِنا وهذا المِثالِ الذي ضَرَبتَه لَنا! أم هو التَّكَلُّف في الرَّد، ولا كَرامَة!
رابعًا: رُبَما يَكونُ هذا المِثالُ استشكالا مِنك فِعلا –أخي؛ وتَوَدُّ الجوابَ عَنه؛ يَعني: كَيف نَمتَثِلُ لِنَهي النَّبي (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) عَن التَّشَّبُّه بالمُشرِكين ومُخالَفَتِهم، إذا صَدَر مِنهم فِعلا يَرضاه الإسلامُ ويَحُثُّ عَليه [كَهذا الذي في المِثال (!)]؟! فسأتحِفُك –حالا- بالجوابِ بِحَول اللهِ وقِوَتِه وعَونِه؛ فأقولُ:
اعْلَم –أخي- أنَّ أحكامَ الإسلام وأصولَه تُقَرِّر تَحريمَ التَّشَّبُّه بالمُشركين ووجوبَ مُخالَفَتِهم فيما كان مِن هَديِهم وعاداتِهم واعتقاداتِهم وأخلاقِهم وسُلوكياتِهم؛ بِحَيثُ صارَت هذه الصِّفاتُ فوارِقَ تُمَيِّزُهم عَن غَيرِهم، حتى لو أنَّ أحَدَ المُسلمين قَلَّدَهم فيها صَارَ كأنَّه مِنهم؛ لِشِدَةِ ارتباطِ هذه العلامات بِهم وتَمَيُّزِهم بِها، واللهُ أعْلَم.
قال الإمامُ (المَناويُّ) –رَحِمَه اللهُ تَعالَى-: "مَن تَشَبَّه بِقَومٍ: أي تَزَيَّا في ظاهِرِه بِزيِّهِم، وفي تَعَرُّفِه بِفِعلِهم، وفي تَخَلُّقِه بِخُلُقِهم، وسَارَ بِسيرَتِهم وهَديِهم في مَلبَسِهم وبَعضِ أفعالِهم، أي: وكان التَّشَبُّه بِحَقٍّ قد طابَقَ فيه الظاهِرُ الباطِنَ فهو مِنهم" اهـ كلامُه نَقلا عَن «فَيض القَدير»: (6/ 104، طـ المكتبة التجارية الكُبرَى بمصر).
أمَّا ما كان في أصلِ شَرعِنا مَشروعًا (مُباحًا أو مُستَحَبًّا أو واجِبًا) وقَلَّدونَا هُم فيه؛ فهذا خارِجُ نَصِّ الحَديث ولم يَدخُل فيه أصلا! كالِمثال الذي أورَدَه أخونا (؟؟؟)؛ فمُساعَدةُ المُحتاجين والإنفاقُ في سَبيل الله؛ مَعلومٌ مِن دِينِنَا بالضَّرورة؛ بِنَصِ الكِتاب والسُّنَّة. فماذا يَضيرُنا لو أنَّ أحَدَ المُشركين قَلَّدَنَا فيه، خاصًّةً أنَّ الإنفاقَ والصَّدقَة مِن خَصائِصِ المُسلمين وصِفاتِهم، التي يَعرِفُها الجاهِلُ والعالِم والعَدو والصَّديق، فَتَنَبَّه!
وللفائِدَة والأهمية أضرِبُ مِثالا آخرَ يَتَّخِذُه بَعضُهم حُجَّةً في هَجر أحكام الشَّرع ومَعصيَة الله –سُبحانَه وتَعالَى- عياذًا بالله مِن ذَلِك:
اتَّفَقُ العُلماء على وجوبِ إعفاء اللحية وتَحريم حَلقِ ما دون القَبضَةِ مِنها؛ (أمَّا ما زاد عَن القَبضَة فالخِلافُ فيه مَشهور، والرَّاجِحُ عَدمُ الأخذ مِنها مُطلَقًا)، والنُّصوص مِن الكِتاب والسُّنَّة واضِحَةٌ جَليَّة. غَير أنَّ البَعضَ استَشكَل تَقييدَ الأمر بإعفائِها بُمخالَفَةِ المُشركين؛ وقال: "بَعضُ المُشركين يُعفون لِحاهَم في عَصرِنا، وما مَوقِفُ المُسلِم لو أعفى كُلُّ المُشركين لِحاهُم؟! ".
أقولُ: الأصلُ أنَّ إعفاءَ اللحيَة مِن خَصائِص المُسلمين وهَديِهِم، وحَلَقَها مِن هَدي المُشرِكين وعاداتِهم، فلا يَضُرُّنا أن يُقَلِّدَنا بَعضُ المُشرِكين (أو كُلُّهم) في هذا الهَدي، فافهَم هذا الأصلَ وعُضَّ عَليه بالنَّواجِذ.
¥