تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

د. حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر القارئ ...

وقد وقع خلط بين هؤلاء الرواة للحديث، لا سيما بين حفص المنقري البصري، وحفص الأسدي الكوفي،على نحو ما ذكرنا من نسبة قول شعبة في حفص البصري، وحمله على حفص الكوفي. ووقع مثل هذا الخلط بينهما في تاريخ وفاتهما، على نحو ما فعل ابن النديم حين ذكر حفص بن سليمان القارئ، وقال:" مات حفص قبل الطاعون، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومئة " (33). وقد نبَّه ابن الجزري إلى ذلك فقال في وفاة حفص القارئ:" تُوُفِّيَ سنة ثمانين ومئة على الصحيح، وقيل بين الثمانين والتسعين، فأما ما ذكره أبو طاهر بن أبي هاشم [عبد الواحد بن عمر ت 349هـ] وغيره من أنه توفي قبل الطاعون بقليل، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين و مئة، فذاك حفص المنقري بصري، من أقران أيوب السختياني، قديم الوفاة، فكأنه تصحف عليهم، والله أعلم " (34).

وقد يعثر المتتبع على أمثلة أخرى من الخلط بين هؤلاء، فقد نقل الهيثمي حديثاً قال عنه:" رواه الطبراني في الكبير، وفيه حفص بن سليمان المنقري، وهو متروك، واختلفت الرواية عن أحمد في توثيقه، والصحيح أنه ضعفه، والله أعلم، وذكره ابن حبان في الثقات " (35).

ويثير هذا النص أكثر من إشكال، منها أن الطبراني ذكر في الإسناد " حدثنا حفص بن سليمان، عن قيس بن مسلم " (36)، والذي يروي عن قيس بن مسلم هو حفص بن سليمان القارئ، وقد تكون كلمة (المقرئ) تصحفت إلى (المنقري)، لكن الإشارة إلى أن ابن حبان ذكره في الثقات يؤكد أن المقصود هو (المنقري) (37)، ويكاد الهيثمي ينفرد بالنص على تضعيف حفص المنقري.

ولعل في ما قاله ابن حبان عن حفص بن سليمان المقرئ ما يشير إلى ذلك الخلط ايضاً، ونصه:" كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها، ويرويها سماع (كذا) " (38)، فلا شك في أن الذي يأخذ كتب الناس هو المنقري، أما الذي يرفع المراسيل فقد يكون حفص بن سليمان الأزدي، فقد وصفه ابن حبان بأنه:" يروي المراسيل " (39)، ولعل كلمة (يروي) تصحفت عن كلمة (يرفع).

وكان أبو زرعة (عبيد الله بن عبد الكريم ت 264هـ) قد تخوَّف من الخلط بينهما، فقال البرذعي:" وقال لي أبو زرعة: ليس هذا من حديث حفص، أخاف أن يكون أراد حفص بن سليمان المنقري" (40).

وإذا كان الأمر بهذه الصورة فإن تضعيف حفص بن سليمان القارئ به حاجة إلى المراجعة، لأن كثيراً مما رُمِيَ به يرجع إلى البصريين المُسَمَّيْنَ باسمه، لكن تتابع الأقوال في تجريحه قد حجب الأقوال التي توثقه، لا بل إن الأمر وصل إلى حد تغيير مفهوم قول أيوب بن المتوكل الذي أثبت فيه أن حفصاً أصح قراءة من أبي بكر شعبة، فقال ابن أبي حاتم:" قلت ما حاله في الحروف؟ قال: أبو بكر بن عياش أثبت منه " (41). ومما يؤكد عدم دقة هذا التعبير قول أبي هشام الرفاعي (ت248هـ):" كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم" (42)، وقل ابن المنادي (ت 336هـ):" وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ بها على عاصم " (43)، ولعل ابن المنادي يشير إلى قول أيوب بن المتوكل الذي نقلناه من قبل: " أبو عمر أصح قراءة من أبي بكر بن عياش ".

(3) ذكر المزي في (تهذيب الكمال) سبعة وعشرين شيخاً روى عنهم الحديث حفص بن سليمان القارئ (44)، وقد تتبعتهم في (تقريب التهذيب) لابن حجر فوجدته يصف خمسة عشر منهم بـ (ثقة)، وعشرة منهم بـ (صدوق)، وواحد بـ (لا بأس به)، وواحد وصفه بمجهول، وهو كثير بن زاذان، الذي سأل عثمان بن سعيد الدارمي يحيى بن معين عنه، فقال:" قلت يروي (أي حفص القارئ) عن كثير بن زاذان من هو؟ قال: لا أعرفه" (45)، لكن ابن حجر ذكره في التهذيب وقال: كثير بن زاذان النخعي الكوفي، وذكر جماعةً من الرواة الذين رووا عنه سوى حفص، وذكر نقلاً عن الخطيب البغدادي أنه كان مؤذن النخع (46).

وذكر المزي خمسة وثلاثين راوياً أخذوا عن حفص بن سليمان القارئ، وقد تتبعت ما قاله فيهم ابن حجر في تقريب التهذيب، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، فوجدت أن معظمهم موصوف بأنه (ثقة) أو (صدوق).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير