ـ[صالح صواب]ــــــــ[08 Nov 2005, 11:37 م]ـ
بيان النقطة الأولى، وهي: بيان معنى كل قراءة، وتوضيح إن كانت هذه القراءات بمعنى واحد أو بمعان مختلفة ...
مثلا قراءتا: (كمثل جنة بربوة) (برَبوة) بفتح الراء، و (برُبوة) بالضم، هما لغتان مشهورتان، بمعنى واحد، ومثل ذلك: قوله: (يحسبهم الجاهل)، و (يحسبن) بفتح السين، وكسرها، وقراءة: (الرعُب) بضم العين، وإسكانها، و (بالبَخَل) بفتحتين، و (بِالبُخل) بضم الباء وإسكان الخاء، فهذه كلها لغتان بمعنى واحد.
وقد يختلف المعنى، وهنا يكون في علم توجيه القراءات بيان لمعنى كل قراءة أولا، وثانيا: يكون فيه بيان مرجحات كل قراءة، وهذه المرجحات قد تكون من حيث المعنى، أو من حيث الإعراب، أو السياق أو ذلك كله، ولولا خشية الإطالة لذكرت أمثلة كثيرة، ولكن أكتفي بالأمثلة الآتية:
– قوله: (فأزلهما الشيطان عنها) قرأ حمزة (فأزالهما) بألف مخففة، وقرأ الباقون (فأزلّهما) بغير ألف مشددا.
فأما قراءة التخفيف فهي من الإزالة والتنحية، وأما قراءة التشديد فهي بمعنى الإيقاع في الزلل.
وحجة من قرأ (فأزالهما) بالتخفيف من الزوال والتنحية:
أ - أنه اتبع في ذلك مطابقة معنى ما قبله على الضد في قوله: (اسكن أنت وزوجك الجنة) فالسكن ثبات في الجنة، وضده الزوال، فسعى إبليس إلى إزالتهما.
ب – أنه مطابق لما بعده في المعنى؛ لأن قوله: (فأخرجهما مما كانا فيه) معناه الزوال، فلفظ الخروج يدل على الزوال.
أما من قرأ (فأزلهما) بدون ألف، مشددة:
أ – قوله عز وجل: (إنما استزلهم الشيطان) أي: أكسبهم الزلة.
ب – أنه ليس للشيطان قدرة على إزالة أحد من مكان إلى مكان وإنما قدرته على إدخاله في الزلل، بدليل قوله عز وجل: (فوسوس لهما الشيطان).
ج – احتمال أن تكون (فأزلهما) من: زلّ عن المكان، إذا تنحى عنه، فتكون القراءتان بمعنى واحد.
مثال آخر:
قوله تعالى: (ولا يُقبل منها شفاعة) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (تُقبل) بالتاء، وقرأ الباقون: (يُقبل) بالياء.
فقراءة التاء (تقبل) بتأنيث الفعل، وقراءة الياء: (يقبل) بالتذكير.
وحجة من قرأ (تُقبل) بالتأنيث: أن لفظ الشفاعة مؤنث، وهذا ظاهر.
وحجة من قرأ (يُقبل) بالتذكير أمور عدة، منها:
أ – أنه فُصِل بين الفعل والفاعل فَحَسُن تذكير الفعل.
ب – أن تأنيث الشفاعة غير حقيقي.
ج – أن الشفاعة والشفيع بمعنى واحد، فحمل اللفظ على التذكير (الشفيع).
مثال ثالث:
قوله تعالى: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) قرأ نافع: (تَسْأَلْ) بفتح التاء والجزم، وقرأ الباقون: (تُسألُ) بضم التاء والرفع.
فأما قراءة (ولا تَسألْ) فمعناها النهي عن السؤال عن ذلك، وفي النهي عن ذلك تعظيم ما هم فيه من العذاب، أي: لا تسأل عنهم فقد بلغوا غاية العذاب التي ليس بعدها غاية.
وأما قراءة: (ولا تُسأَل) فهي إخبار بأن النبي – صلى الله عليه وسلم - لا يُسأل عن أصحاب الجحيم، ويجوز أن تكون في موضع حال، أي: أرسلناك بشيرا، ونذيرا، وغير مسؤول عن أصحاب الجحيم.
أو تكون الجملة مستأنفة ..
قال مكيّ: ويقوي الرفع أن قبله خبرا، وبعده خبرا، فيجب أن يكون هذا ليطابق ما قبله وما بعده.
مثال أخير:
قوله: (قل فيهما إثم كبير) قرأ حمزة والكسائي: (كثير) بالثاء، وقرأ الباقون: (كبير) بالباء.
فمن قرأ (كثير) بالثاء، فحجته:
أ – أنه جعله من الكثرة حملا على المعنى؛ لأن الخمر تحدث مع شربها آثاما كثيرة، من لغط وسب وأيمان وعداوة وخيانة وتفريط في الفرائض وارتكاب للمحرمات، وهذه آثام كثيرة، فوجب أن توصف بالكثرة.
ب - أن الله ذكر المنافع بالجمع، فوجب أن تكون الآثام جمعا، وإنما يدل على ذلك الكثرة.
ج – أن وصف الإثم بالكثرة أبلغ من وصفه بالكِبَر، لأن الكثرة تستوعب العِظَم ومعنى الكثرة، أما العِظَم فقد لا يستوعب الكثرة، فكل كثير كبير، وليس كل كبير كثيرا.
وأما من قرأ (كبير) بالباء، فحجته:
أ – أن شرب الخمر من الكبائر، فوجب أن يوصف إثمه بالكبر.
ب – قوله تعالى: (وإثمهما أكبر من نفعهما) وهذا يدل على قراءة (كبير).
أما هل ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته شيء في ذلك، فلم أقف على نص صريح في أن معنى هذه القراءة كذا، ومعنى هذه كذا، ولا أظن ذلك موجودا، وإنما قد يُستشهد لمعنى من المعاني لإحدى القراءتين بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو فعله، أو بحكم شرعي مجمع عليه، أو نحو ذلك.
ويبقى لكل قراءة من القراءات ما يشهد لها عند من اختار القراءة بها.
وهل يعتبر قول من استند إلى اللغة ومعها قواعد التفاسير المعتبرة مقبولا في كل الأحوال ...
الجواب: أن هذا هو الأصل، ولكن قد يرد ما يرجح قولا آخر سواه، فالترجيح والقبول يحتاج إلى النظر من جميع الجوانب، فربما كان القول صحيحا في العربية لكن ليس مقصودا في الآية؛ لأن الكلمة الواحدة في اللغة العربية قد يرد لها أكثر من معنى وقد يكون المقصود في موضع الآية معنى دون غيره، كما أن معرفة سبب النزول، ومعرفة عادات العرب .... وغير ذلك سبب مهم في فهم آيات القرآن الكريم.
¥