قال الأستاذ محمد منيار في الملاحظات الهامة ص 68: ... ويزعم بعض القراء أنه لا بد من ترك فرجة بين الشفتين , حالة أداء القلب والإخفاء الشفوي , لتحقيق الإخفاء في الميم عند الباء , فيقعون غي خطأين:
• ذهاب الميم بالكلية , وإبدالها بنطق مُبهم.
• مدّ الحرف المبهم بحيث يتولد منه حرف من قبيل حركة الحرف الذي قبل النون الساكنة مثل: (مين بعد) و (هوم بارزون) والنطق الصحيح: بإطباق الشفتين بخفة كما سلف.
فأنت ترى- أخي القارئ - هذه النصوص السالفة للأئمة المعتبرين صريحة بالإطباق , أو قول أحدهم ميم خالصة , وأن العبرة ليست بالمصطلح بل بما تلقاه المئات عن المئات جيلا عن جيل وهذا التلقي لابد له أن يضبط بما نص عليه الأئمة الأوائل , وذلك لإغلاق الباب على بعض شيوخ العصر الذين يقولون تلقيت الفرجة بالسند, فكل من قال تلقيتها بالسند, هناك شيخ واحد وَهِم ثم جاء من بعده أخذه عنه , وسلسلة الأسانيد اليوم يوجد فيها الحافظ ابن الجزري وكلامه معروف مشهور في هذه المسألة وهو الإطباق , فعلى كل شيخ مسند أن يتق الله وليحذر من اقراء الناس بإسقاط الميم من التلاوة المسمى حديثا بالفرجة.
أما مسألة التبعيض هذه، أطلب من البعض إثباتها بخصوص الميم المخفاة من كتب الأقدمين، أقصد بمعني الفرجة. لأن تعريفهم للإخفاء هو النطق بحرف عار من التشديد بحالة بين الإظهار والإدغام مع بقاء الغنة أما التبعيض بهذا الفهم فأرجو التكرم ببيان مصدره، ثم أن التبعيض ممكن بكل وضوح أن يحمل على عدم الكز على الشفتين بل بالإطباق الخفيف، وصرح به المرعشي التركي. (ت 1150هـ) مع وضوح كلامه في كونه لا يخرج عن الإطباق فقد قال بأنه أطباق أخف دون الإطباق الأقوى أي لا يخرج عن كونه إطباقا ثم إن من الأقدمين من عده من الإدغام الناقص أي يشبه في تركيبته النطق بنحو (بَسَطْتَ) فقد بقيت صحة الاستعلاء ثم انتقلت للتاء وختمت بها. وهنا تنطق بالميم تعويضا صحيحا كما صرح العلامة الضباع، وتأتي بالغنة من غير كز على الشفتين ثم تنتقل للباء ولو نطقت بقوله تعالى (مِنْ مَاءٍ) (البقرة: من الآية164) فهذا مثلا إدغام ناقص فهذه كتلك.
وهكذا نرى توفر جميع صفات الإدغام الناقص أو سمِّه إن شئت بالإخفاء الشفوي على إطباق الميم.فالعبرة بالتلقي والمشافهة أما المصطلحات فهي وصف للتلقي وليس العكس. لأن غايتهم تقريب وصف هذا الذي يتلقوه لتسهل مدارسته، وما كان في ذهنهم أبدا أن هناك من سيترك التلقي ويبحث في كيفية التطبيق من كلام نظري لا يستند على المشافهة. ثم أني أرى أن الاحتجاج عند الاختلاف في مثل هذا لا يكون إلا بكلام الأوائل أعنى أمثال الداني وابن غلبون والشاطبي أو من قبلهم فإنه لم أر حتى الآن أي نص قبل السيد عثمان ومن سار على نهجه، بترك الفرجة. ومن عنده الدليل فليأت به غير مأمور.
أما الاحتجاج بأحد القراء المعاصرين فليس فيه الحجة أبدا لأنه يوجد غيره مئات يقرؤون بالإطباق وفيهم من هو شيخ قراء بلده كالشيخ كريم راجح والشيخ أبو الحسن الكردي والشيخ محمد طه سكر. والأمثلة أكثر من أن تحصر، بل حتى الأقدمين من تلامذة الزيات كالشيخ أحمد مصطفى فقد قال لنا أن جميع من أخذ عن الزيات فبالإطباق ثم أن من يقولون بترك الفرجة يصرحون بأنها اجتهاد منهم أما ما تلقوه من مشايخهم فبالإطباق. وزاد الآن أن النصوص التي كانت غائبة عمن اجتهد بترك هذه الفرجة قد ظهرت مع تحقيق كثير من الكتب النفيسة المخطوطة ككتب ابن غلبون والداني وفيها التصريح بالإطباق، فحين يرى المجتهد هذه النصوص الصريحة فأي حاجة للاجتهاد مع وجود النص.
{الشيخ عمَّار الخطيب قال بالإطباق ونظم في ذلك شعرا}
قال الشيخ عمار الخطيب في منظومته الرائعة حول التجويد وقواعده الراسخة:
وَلْتَحْذَرَنْ قِرَاءَةً بِالفُرْجَةْ وَمَا رَوَى الأَسْلافُ فَهْوَ حُجَّةْ
إِذْ لا دَلِيلَ قَدْ رُوِيْ عَنِ السَّلَفْ إِلاّ اجْتِهَادُ "عَامِرٍ" مِنَ الخَلَفْ
وَالْمِيمُ تَبْقَى حَالَةَ الإِطْبَاقِ لَفْظَاً، وَتَسْقُطُ دُونَمَا إِطْبَاقِ
فَأَطْبِقِ الشِّفَاهَ في الإِخْفَاءِ وَمِثْلُهُ الإِقْلابُ فِي الأَدَاءِ
كَـ" أَنْبِئُونِي " أَوْ كَنَحْوِ "هُمْ بِهِ" كَمَا رَوَى ابْنُ الْجَزَرِيْ وَصَحْبِهِ
{أول من قال بتغيير صوت الميم الساكنة المخفاة}
¥