فكلام الشيخ مساعد في مداخلته فيه بعض المبالغات، كما أن حكم الدكتور زغلول على كلامه [كلام الشيخ مساعد] بأنه كله غير صحيح مبالغة واضحة.
وهذه فتوى جيدة للشيخ عطية صقر، فيها نظرة معتدلة لكلا الرأيين:
السؤال: ما هى الشروط التى وضعها العلماء لتفسير القرآن تفسيرا علميا يتناسب مع روح العصر والمكتشفات العلمية الحديثة؟
الجواب: هذه القضية ثار حولها الجدل والنقاش، وانقسم الناس فيها فريقين:
(أ) فريق يقول: نعم فى القرآن توجد العلوم والمكتشفات الحديثة.
ونحن فى حاجة إلى تفسير علمى، بمعنى استخلاص هذه المحدثات من ألفاظ القرآن، وحمل الألفاظ عليها. واستند هذا الفريق فى رأيه إلى ما يأتى:
1ـ أن الله تعالى قال {ما فرطنا فى الكتاب من شىء} [ا لأنعا م: 38].
أى ليس فى الحياة شىء إلا وهو موجود فى القرآن. فذكرت فيه الميكروبات والكهرباء والذرة والصواريخ والطائرات وغيرها.
ونوقش هذا الدليل بأن المراد بالكتاب هو اللوح المحفوظ الذى أثبت الله فيه مقادير الخلق، ما كان منها وما يكون، حسب النظام المعبَّر عنه بالسنن الإلهية. أو هو علم الله المحيط بكل شىء الثابت فيه كل معلوم، وإذا أريد بالكتاب القرآن فليس لفظ الشىء على عمومه، بل المراد به الشىء الذى هو موضوع الدين، وهو الهداية التى من أجلها نزل القرآن، فالعموم فى كل شئ بحسبه.
2ـ كما استند إلى أن نشر الإسلام فى هذه الأيام يحتاج إلى التحدث عنه بأسلوب العصر وطرائق فهمه، لبيان تجاوب الدين والقرآن مع الحياة فى كل أطوارها.
ونوقش بأن نشر الإسلام لا يتوقف على ذلك، فأصول الهداية فيه، والنصوص الدالة على النظر والبحث وتقديس العقل كافية فى بيان تجاوبه مع أرقى الحضارات وأزهى العصور.
وبهذا نرى أن حجة هذا الفريق واهية أو فيها مناقشة تضعف الاستدلال بها على المقصود.
(ب) والفريق الآخر يقول ليس القرآن كتاب تعليم وتسجيل لمكتشفات العصور بأشخاصها، ولا يحتاج إلى أن نحمل ألفاظه على أسلوب العصر ونضمنها نظرياته وعلومه. وحجتهم فى ذلك:
1ـ عدم حاجة الشريعة فى فهم كتابها وتعرف مبادئها، إلى العلوم الكونية والرياضيات وما إليها. وحمل ألفاظ القرآن عليها فيه تعسف وتحميل لها لما لا تطيق.
2ـ أن القرآن موجَّه أولا إلى من نزل فيهم وهم العرب، وليس لهم عهد بهذه العلوم التى لم تعرفها الدنيا إلا بعد قرون، فإذا قصد القرآن إليها وآياته لا تفهم إلا بالوقوف عليها، كان كلاما غير مطابق لمقتض الحال، وحاشاه أن يكون كذلك، فوجب أن نقف بعباراته عند فهم العرب الخلص، ولا نتجاوز ما ألفوه من علومهم، يقول الشاطبى فى كتابه " الموافقات ج 2 ص 52 ": ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذاهب أهلها وهم العرب ينبنى عليه قواعد، منها: أن كثيرا من الناس تجاوزوا فى الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها. وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح، ولهذا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم فى شىء من هذا المدعى سوى ما تقدم من أحكام. . . وما يلى ذلك. ولو كان لهم فى ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشىء مما زعموا.
3ـ أن النظريات العلمية عرضة للتبديل والتغيير، فإذا حملنا عليها ألفاظ القرآن كان فهم آياته عرضة للتغيير والتبديل مما يبعث على الشك ويؤدى إلى البلبلة والاضطراب.
¥