تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الطبري نفسه في هذه الآية، يقر بأن أهل التفسير والتأويل قداختلفوا فيها، وهنا لم يجد مناصاً من عرض آراء غيره حول دلالة لفظ الأمة في هذه الآية، ليستأثر بأحد أقوالهم في النهاية. ومن أمثلة ذلك إيراده لقول بعضهم عن شأن الأمة ها هنا: "هم الذين هاجروا مع رسول الله e من مكة إلى المدينة، خاصة من أصحاب رسول الله e"([26]). فالطبري باختياره لهذا القول ـ وذلك بعد ما آثره بروايات أخر عن عمرو بن حماد عن أسباط عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ يقر بأن المراد بلفظ (الأمة): هم جماعة المهاجرين دون سواهم من آمن بالدعوة الإسلامية في ذلك الوقت.

والأمر نجده خلاف ذلك عند ابن كثير، إذ القصد من الأمة في هاهنا آية، هي أمة محمد e ذلك بأنهم خير الأمم ... قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان عن ميسرة، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه:] وكنتم خير أمة أخرجت للناس [قال: خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام، وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس] كنتم خير أمة أخرجت للناس [، يعني خير الناس للناس، والمعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس" ([27])

والصحيح عند ابن كثير أن لفظ الأمة في الآية، هو عام في جميع الأمة، كل قرن بحسبه. وبالرجوع إلى الطبري مرة أخرى، نجد فيما ذهب إليه من جملة أقواله المختلفة التي ذكرها: أنه لا يبتعد عما ذهب إليه ابن كثير، فالطبري يرجح من ضمن ما ذكره، الحديث المأثور المسند والمروي له، والقائل: "أن يعقوب بن إبراهيم حدثني قال: حدثنا ابن عطية، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله e يقول: ألا إنكم وفيتم سبعين أمة، أنتم آخرها وأكرمها عند الله" ([28])

وعليه، فحسب ما ذهب إليه ابن كثير، وحسب القول الذي رجحه الطبري، تكون (الأمة) هاهنا، ذات مدلول ديني ـ وهذا خلاف ما عهدناه فيما مضى عند الطبري إذ يعتبر اللفظ مجرد جماعة من الناس ـ فهي تضم كل أتباع النبي e، سواء من أمة الدعوة أو أمة الإجابة ([29]). أما ما دون هذه الآية، فإن معظم الآيات الأخرى ([30]) التي تحوي لفظ الأمة، فإن الطبري وابن كثير يؤولانها بالجماعة من الناس مطلقاً من جهة، ومن جهة أخرى نلفيهما يجعلانها مرادفة للفظ (الملة)، وهنا تكون عندهما ذات مدلول ديني.

ومما سبق ذكره، وبعد تتبع نماذج من تأويلات هذين المفسرين للفظ، وخصوصاً ما ذهب إليه الطبري، فإننا نجد قد تم التركيز على اعتبار لفظ (الأمة) الوارد في معظم تلك الآيات التي قدمناها سابقاً بأنها الجماعة المتفقة على دين واحد، وملة واحدة، وبعبارة أخرى، وحسب هذين المفسرين، فإن تصور (الأمة) عندهما، إنما هو قائم عن علاقة بين الملة والدين من جهة، وبين الجماعة المطلقة من جهة أخرى.

ومن هذه العلاقة نشأ لديهما تصور وسط، هو أن الأمة معناها: الجماعة المجتمعة على دين وملة واحدة.

تصور الأمة عند أهل التفسير بالرأي

قبل أن نعرج إلى تصفح بعض تفاسير أهل الرأي والاجتهاد لمعرفة مفهوم لفظ الأمة وتصوره عندهم، لا بأس أن نشير إلى أننا سنتخذ من التفسير الكبير للفخر الرازي نموذجاً لذلك، باعتباره يحوي خصائص هذا النوع من التفسير، بالإضافة إلى بعض الوقفات عند تفسير القرطبي، غير أنه لا يفهم من عملي هذا بشأن تقسيم أهل التفسير إلى فريقين، أني أضع حدوداً بين التفسيرين، ذلك أنه من المعروف أن كل المفسرين لكتاب الله تعالى كانوا ينوون من وراء أعمالهم الجليلة، خدمة كتابه العظيم محاولين بذلك إفهامه وتقريبه لجمهور المسلمين، وعامة الناس. وعليه كان اختيارنا للتفسير بالرأي القائم على أركان المعرفة الكافية بشتى العلوم، والذي "لا يعارض نقلاً صحيحاً، ولا عقلاً سليماً، ولا علماً يقينياً ثابتاً مستقراً، مع بذل غاية التوسع في البحث والاجتهاد والمبالغة في تحري الحق والصواب، وتجريد النفس من الهوى والاستحسان بغير دليل، ومع مراقبة الله غاية المراقبة في كل ما يقول" ([31]). وهذه الأركان والدعائم نحسبها موجودة في تفسير الرازي، والقرطبي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير