تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الرازي في تأويله للكثير من الآيات التي تحوي لفظ (الأمة)، نجده يستعمل العقل، مبتعداً كل ما أمكن ذلك عن المنقول والروايات، لذلك نراه في كل ما يذهب إليه، يردفه بالتدليل والبرهان، جاعلاً من المنطق والعقل الطابع الذي يطبع تأويلاته وكل ذلك بالطبع في حدود ما يسمح به الشرع من استحكام العقل فيه. فهو على سبيل المثال يذهب في الآية الكريمة:] ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك [ـ الآية ([32])، بالقول: "وأمة: قيل: هم أمة محمد e، بدليل قوله: وابعث فيهم رسولاً منهم" ([33]).

والقرطبي في تفسيره يرى ما يراه الرازي، فهو يقول في شأن الآية الكريمة:] ومن ذريتنا أمة مسلمة لك [ـ الآية": أي ومن ذريتنا فاجعل؛ فيقال: إنه لم يدع نبي إلا لنفسه ولأمته، إلا إبراهيم فإنه دعا مع دعائه لنفسه ولأمته، ولهذه الأمة؛ كما أنه يورد قولاً آخر يقول فيه: إن المراد بقوله:

] ومن ذريتنا [العرب خاصة وذريتهما العرب، لأنهم بنو نبت بن إسماعيل أو بنو تيمن بن إسماعيل ([34]) ... قال ابن عطية: وهذا ضعيف، لأن دعوته ظهرت في العرب وفي من آمن من غيرهم ([35]).

أما في شأن قوله تعالى:] وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً [ـ الآية ([36]) "، فإن كلاً من الرازي والقرطبي، قد وقفا مطولاً عند تأويل لفظ (وسطاً)، بما في ذلك لفظ (أمة) كذلك. وفي هذا يذكر الرازي على سبيل المثال لا الحصر مسائل كثيرة في قوله تعالى:] أمة وسطا [منها قوله: واختلفوا في تفسير الوسط وذكروا أموراً: أحدهما، أن الوسط هو العدل، والدليل عليه الآية، والخبر والشعر، والنقل، والمعنى .. فهو بعدما يأتي على الأدلة الأربعة الأولى يقول في الدليل الخامس الذي هو "المعنى" بقوله: وأما المعنى فمن وجوه: أحدهما: أن الوسط حقيقة في البعد عن الطرفين، ولاشك أن طرفي الإفراط والتفريط رديئان، فالمتوسط في الأخلاق يكون بعيداً عن الطرفين فكان معتدلاً فاضلاً، وثانيها: إنما سمي العدل وسطاً، لأنه لا يميل إلى أحد الخصمين، والعدل هو المعتدل الذي لا يميل إلى أحد الطرفين، وثالثها: لاشك أن المراد بقوله:] وكذلك جعلناكم أمة وسطا [طريقه المدح لهم لأنه لا يجوز أن يذكر الله تعالى وصفاً ويجعله كالعلة في أن جعلهم شهوداً له، ثم يعطف على ذلك شهادة الرسول إلا وذلك مدح، فثبت أن المراد بقوله: "وسطاً" ما يتعلق بالمدح في باب الدين، ولا يجوز أن يمدح الله الشهود حال حكمه عليهم بكونهم شهوداً إلا بكونهم عدولاً، فوجب أن يكون المراد من الوسط العدالة، ورابعها: أن أعدل بقاع الشيء وسطه، لأن حكمه مع سائر أطرافه على سواء وعلى اعتدال، والأطراف يتسارع إليها الخلل والفساد والأوسط محمية محوطة ([37]).

أما القرطبي في مسألة الوسط فيضيف قائلاً: "ولما كان الوسط مجانباً للغلو والتقصير كان محموداً، أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم، ولا تقصير اليهود في أنبيائهم" ([38]).

أما عن معنى الأمة في قوله تعالى:] كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه [الآية: ([39]) فإن الرازي يرى في هذه الآية مسائل ـ وذلك بعد ما يفصل في سبب إصرار أولئك الناس على الكفر ـ ومن تلك المسائل يذكر المسألة الأولى قائلاً فيها: "قال القفال: الأمة: القوم المجتمعون على الشيء الواحد يقتدي بعضهم على بعض، وهو مأخوذ من الائتمام" ([40]).

هذا، وبعد تعقيبه على ما ذكر، يستأنف الحديث عن معنى الأمة في الآية ذاتها، ويورد في حديثه ذلك خمسة أقوال، لكل قول أوجه، فهو يقف عند تأويل معنى لفظ (الناس) عوض لفظ: (الأمة)، غير أن وقفته مع لفظ (الناس)، قد بين في دلالته معنى لفظ (أمة واحدة) الذي تلا لفظ (الناس)، بدليل قوله: "إن المراد من الناس ههنا أهل الكتاب ممن آمن بموسى عليه السلام، وذلك لأنا بينا أن هذه الآية متعلقة بما تقدم من قوله: "] يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة [، وذكرنا أن كثيراً من المفسرين زعموا أن تلك الآية نزلت في اليهود، فقوله تعالى:] كان الناس أمة واحدة [، أي كان الذين آمنوا بموسى أمة واحدة، على دين واحد، ومذهب واحد، ثم اختلفوا بسبب البغي والحسد، فبعث الله النبيين وهم الذين جاؤوا بعد موسى عليه السلام، وأنزل معهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير