تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الكتاب: وهذا القول مطابق لنظم الآية، وموافق لما قبلها ولما بعدها" ([41]).

وعن قوله تعالى:] ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [([42])، فإن القرطبي يورد قولاً واحداً في شأن لفظ (الأمة) قد اتفق به مع الرازي، والذي يقصد منه: الجماعة من العلماء دون سائر خلق الله، بينما نجد الرازي بالإضافة إلى ذلك، يفصل فيما يذهب إليه بصفته وجهاً من وجوه التعليل، إذ الوجه الذي اتفق به مع القرطبي في شأن معنى لفظ (الأمة) في الآية الكريمة، هوأن القائلين بهذا القول، قد اختلفوا على قولين: أحدهما أن فائدة كلمة (من) هي أن في القوم من لا يقدر على الدعوة ولا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل النساء والمرضى والعاجزين. والثاني أن هذا التكليف مختص بالعلماء، ويدل عليه وجهان، الأول: أن هذه الآية مشتملة على الأمر بثلاثة أشياء: الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ومعلوم أن الدعوة إلى الخير مشروطة بالعلم وبالخير وبالمعروف وبالمنكر. فإن الجاهل ربما عاد إلى الباطل وأمر بالمنكر ونهى عن المعروف، وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر، وقد يغلظ في موضع اللين، ويلين في موضع الغلظة، وينكر مع من يزيده إنكاره إلا تمادياً، فثبت أن هذا التكليف متوجه على العلماء، ولاشك أنهم بعض الأمة" ([43]).

لقد تعمدنا الإتيان بهذا النص على الرغم من طول متنه ليتضح لنا مدى اجتهاد كل من الرازي والقرطبي، وطريقة تأويلهما للوصول إلى تأصيل المفهوم عن طريق التدليل العقلي والبرهنة المنطقية عندما تحتاج الضرورة إلى ذلك.

لكن هذا التخريج، وإن كان يبدو أقرب إلى الصحة، إلا أننا يمكن أن نعتقد بدلالة أخرى للفظ الأمة ضمن هذه الآية، إذ قد يكون المراد من ذلك: أصحاب رسول الله e، باعتبارهم كانوا قد أ خذوا العلم من عنده عليه السلام، ليبلغوه إلى الناس، وعليه يؤول [ضم الهمزة] التخريج إلى أن أصحاب رسول الله كانوا أمة مجتمعة على القيام بتعلم الدين وتبليغ رسالته.

ووجه الإجمال في هذا، أن مدلول لفظ (الأمة) ههنا، إنما القصد منه عند هذين المفسرين، هم جماعة العلماء دون سواهم من عامة الناس، وذلك للأسباب التي ذكرها الرازي، والتي نراها نحن أنها أسباب يقبلها العقل، هذا مع العلم أننا رأينا أيضاً أن أصحاب التفسير بالمأثور من قبل، قد قدموا أحاديث مأثورة تقر كلها بأن المقصود بلفظ (الأمة)، هم جماعة العلماء، أو أصحاب رسول الله الذين تعلموا منه، وعلموا من أتوا بعدهم.

أما بشأن قوله تعالى:] كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [ـ الآية ([44])، فنجد القرطبي في أمر مدلول لفظ الأمة في هذه الآية، قد فصل في الكلام أكثر من كلام الرازي، ففي الوقت الذي اكتفى فيه الرازي بقوله: "والمعنى أنكم كنتم في اللوح المحفوظ خير الأمم، وأفضلهم، فاللائق بهذا أن لا تبطلوا على أنفسكم هذه الفضيلة .. وأن تكونوا منقادين مطيعن، وفي كل ما يتوجه عليكم من التكاليف" ([45]).

أما القرطبي، فيورد في تفسير هذه الآية، ثلاث مسائل يمكن لأي متعرف عليها أن يستثمر منها مدلول لفظ الأمة بطريقة مباشرة لا تستدعي التخمين وإعمال الفكر. ولعل السبب في ذلك، أننا ألفينا القرطبي في ذهابه إلى تأويل هذه الآية، يذهب مذهب أهل التفسير بالمأثور، وكشاهد على ذلك، يقول القرطبي ـ وذلك دائماً في شأن الآية السالفة الذكر ـ:" .. فيه ثلاث مسائل: [ونحن سنورد له مسألتين لأن المسألة الثالثة لها علاقة بتأويل الشطر الثاني من الآية الكريمة]، الأولى: روى الترمذي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، أنه سمع رسول الله e يقول في قوله:] كنتم خير أمة أخرجت للناس [، قال: أنتم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها عند الله .. وقال ابن عباس: هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وشهدوا بدراً والحديبية، وقال عمر بن الخطاب: "من فعل فعلهم كان مثلهم، وقيل: هم أمة محمد رسول الله e، يعني الصالحين منهم وأهل الفضل، وهم الشهداء على الناس يوم القيامة .. وقال الأخفش: يريد أهل أمة، أي خير أهل دين .. " ([46]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير