(قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)
وأما الآية الأخرى
({فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}
قال الطبري
(فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين (15)
يقول تعالى ذكره: فأنجينا نوحا وأصحاب سفينته وهم الذين حملهم في سفينته من ولده وأزواجهم
وقد بينا ذلك فيما مضى قبل وذكرنا الروايات فيه فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع
{وجعلناها آية للعالمين} يقول وجعلنا السفينة التي أنجيناه وأصحابه فيها عبرة وعظة للعالمين وحجة عليهم
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله {فأنجيناه وأصحاب السفينة} الآية قال: أبقاها الله آية للناس بأعلى الجودي ولو قيل: معنى {وجعلناها آية للعالمين} وجعلنا عقوبتنا إياهم آية للعالمين وجعل الهاء والألف في قوله {وجعلناها} كناية عن العقوبة أو السخط ونحو ذلك إذ كان قد تقدم ذلك في قوله {فأخذهم الطوفان وهم ظالمون} كان وجها من التأويل)
انتهى
قال ابن كثير - رحمه الله
(
وقوله تعالى: {وجعلناها آية للعالمين} أي وجعلنا تلك السفينة باقية إما عينها كما قال قتادة: إنها بقيت إلى أول الإسلام على جبل الجودي أو نوعها جعله للناس تذكرة لنعمه على الخلق كيف أنجاهم من الطوفان كما قال تعالى {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون * وخلقنا لهم من مثله ما يركبون * وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون * إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين} وقال تعالى {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية} وقال ههنا {فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين} وهذا من باب التدريج من الشخص إلى الجنس كقوله تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين} أي وجعلنا نوعها رجوما فإن التي يرمى بها ليست هي زينة للسماء وقال تعالى {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين} ولهذا نظائر كثيرة وقال ابن جرير لو قيل إن الضمير في قوله {وجعلناها} عائد إلى العقوبة لكان وجها والله أعلم)
انتهى
أقول ولو قلنا بقول من يقول بأن المقصود عين السفينة
فلا يلزم من ذلك بقاء عين السفينة إلى أول عصر الإسلام
لأن كلمة (العالمين) يمكن حملها على عالم زمانهم لا على أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
والله أعلم بالصواب
قال الطبري - رحمه الله - في موضع آخر
(فإن في قول الله جل ثناؤه {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} (الجاثية: 160) دلالة واضحة على أن عالم كل زمان غير عالم الزمان الذي كان قبله وعالم الزمان الذي بعده إذ كان الله جل ثناؤه قد فضل أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم الخالية وأخبرهم بذلك في قوله {كنتم خير أمة أخرجت للناس} الآية (آل عمران: 110) فمعلوم بذلك أن بني إسرائيل في عصر نبينا لم يكونوا مع تكذيبهم به صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين بل كان أفضل العالمين في ذلك العصر وبعده إلى قيام الساعة المؤمنون به المتبعون منهاجه دون من سواهم من الأمم المكذبة الضالة عن منهاجه)
وذكر
(القول في تأويل قوله تعالى {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)}
قال أبو جعفر وهذا أيضا مما ذكرهم جل ثناؤه من آلائه ونعمه عندهم. ويعني بقوله (وأني فضلتكم على العالمين) أني فضلت أسلافكم، فنسب نعمه على آبائهم وأسلافهم إلى أنها نعم منه عليهم، إذ كانت مآثر الآباء مآثر للأبناء،
والنعم عند الآباء نعما عند الأبناء، لكون الأبناء من الآباء، وأخرج جل ذكره قوله (وأني فضلتكم على العالمين) مخرج العموم، وهو يريد به خصوصا; لأن المعنى: وإني فضلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه (1). كالذي:-
868 - حدثنا به محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال حدثنا محمد بن ثور، عن معمر -وحدثنا الحسن بن يحيى، قال حدثنا عبد الرزاق، قال أخبرنا معمر- عن قتادة، (وأني فضلتكم على العالمين) قال فضلهم على عالم ذلك الزمان.
¥