هذا النشاط الفكري وهذه العلاقات التي تجمع بين أقطاب الصوفية بالأندلس والخطورة التي شكلتها ثورة المريدين دفعت بالدولة المرابطية إلى استقدام ابن العريف وابن برجان وغيرهم إلى مراكش «وعقدت لابن برجان مناظرة أورد عليه الفقهاء مسائل ينكرونها فأجاب وخرجها مخارج محتملة فلم يرضوا منه بذلك لكونهم لم يفهموا مقاصده وقرروا عند السلطان انه مبتدع، فاتفق أنه مرض بعد أيام ومات في المحرم» سنة 536هـ، ويظهر أنه لم يقتل حسبما وصلنا من الأخبار عنه، إذ لم يصرح المؤرخون بسبب وفاته.
تلكم بعض أخبار الإمام ابن برجان، جمعت الزبدة منها وطرحت الزبد، ويتراءى لنا أن المترجمين لم يظهروا حرصا كبيرا على تتبع أخباره وتدوينها فكانت إحدى الظلامات التي لحقت هذا الرجل فمعاصره ابن بشكوال لم يترجم له، ولم يترجم له إلا من تأخر عنه كابن الزبير وابن الابار وأضاف الباحثون المعاصرون ظلامة إليه أخرى فلم يعتنوا بتراثه ومؤلفاته وبقيت في الرفوف تآكلها الأرضة والله المستعان.
المبحث الثاني:التعريف بتفسير الإمام ابن برجان:
سأحاول أن أقف على أهم المضامين والقضايا التي تميز هذا التفسير والتي تهيمن عليه بشكل واضح ما استطعت إلى ذلك سبيلا:
1 - وصف النسخة:
توجد نسخة من هذا التفسير في الخزانة العامة بالرباط تحث رقم (242ك) تبدأ بسورة الأعراف وتنتهي عند تفسير قوله تعالى: «لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ» من سورة النور وقد كتب فوق الصفحة الأولى بخط غير الناسخ تفسير ابن بلجان (هكذا) كما كتب فوقها صك الراء يتضمن اسم المشتري مشطوبا عليه وتاريخ الشراء وهو:1270هـ، ومكان الشراء:الذي هو تونس واسم الدلاء أيضا، كما يوجد فوق هذه الصفحة ختم محمد عبد الحي الكتاني.
وتقع هذه النسخة في 388صفحة من الحجم المتوسط في كل صفحة 27سطرا وفي كل سطر مابين 12و13 كلمة، كتبت بخط مشرقي مقروء، ميزت فيه بعض العناوين باللون الأحمر ونجد طرر وحواشي بعض الصفحة تعليقات بخط غير خط الناسخ، والنسخة سليمة على العموم إلا ماكان فيها من بتر في الورقة الأولى وكذا في سورة التوبة عند قوله تعالى: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ» ففيه بتر إذ يبدأ التفسير بعدها بقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» وكذلك في سورة الحج فلا نعثر على بداية السورة وإنما يبدأ التفسير بقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا».
2 - تسمية الكتاب:
أغلب المترجمين لابن برجان ينسبون له التفسير بالإطلاق بدون وصفه باسم يميزه، وسماه حاجي خليفة:"الإرشاد في تفسير القرآن " وكذلك فعل إسماعيل باشا البغدادي ويعكر على هذا ما ذكر ابن الزبير من أن له كتاب "الإرشاد"قصد فيه إلى استخراج أحاديث صحيح مسلم بن الحجاج من كتاب الله تعالى والذي يظهر إن اسمه هو:"تنبيه الأفهام إلى تدبر الكتاب والتعرف على الآيات والأنباء العظام "تبعا للباحثين الذين وقفوا على نسخة من هذا التفسير في ألمانيا.
والمخطوط الذي بين أيدينا إنما يبدأ كما قلنا في سورة الأعراف وينتهي قبل إتمام سورة النور، فلم يذكر فيهما يفيد اسما بعينيه بل إن النسخة التي بين أيدينا –أعني نسخة الخزانة العامة بالرباط –لم يقم دليل علمي على أنها تفسير لابن برجان وإنما عولنا على المفهرسين للخزانة وما كتب على ظهر الصفحة الأولى:"تفسير ابن بلجان " حملناه على أنه تصحيف للاسم.
3 - منهج الإمام ابن برجان في تفسيره:
يبدأ الإمام بان برجان في تفسيره هذا بذكر البسملة فاسم السورة ثم يشير إلى مكية أو مدنية السورة وعدد المنسوخ فيها،ثم بعد يبدأ بتفسيرها، ففي سورة مريم مثلا نجد البداية كالتالي: «بسم الله الرحمن الرحيم، سورة مريم فيها من المنسوخ أربع آيات»؛ثم يبدأ بتفسير الآيات في السورة مقسما إياها إلى جمل يقدم معناها دون استطراد،ففي سورة الإسراء قال: «قوله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا» إلى قوله: «إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»»، ثم شرع يفسر التسبيح وبعده فسر قوله تعالى: «أَسْرَى بِعَبْدِهِ» لينتقل إلى ما بعده «لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» وفي كل يقدم المعني الدقيقة بدون نزوع نحو إيراد القراءات واوجه اللغة وأسباب النزول فهو وإن كان يعتمدها إلا أنه لا
¥