تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هو الرسالة الخاتمة، وهو مصدق لما بين يديه، ومهيمن عليه. عندما نتعامل مع القرآن بهذه المثابة وهذه الحيثية، فهذا يعني شيئاً كثيراً، كونه كلام الله معناه أنه هو المصدر، في النحو هو القاعدة، في البلاغة هو القاعدة، وفي الصدق، لا يترك شيئاً إلا هو مهيمنٌ عليه، وعندما يقول طه حسين: (نحن قرأنا التاريخ ولم نجد فيه عاداً)، إذاً لا يوجد عاد، نقول له القرآن مهيمن على التاريخ، والكتب السماوية، والبلاغة، والنحو، والقواعد، وعلى الدنيا جميعها; لأنه كلام الله، هذا الكلام ينبني عليه شيء كثير، ففي القاعدة النحوية، القرآن هو

القاعدة، وليست قواعد النحو هي من يحاكم القرآن، وقواعد البلاغة مصدرها القرآن فتقاس النصوص الأخرى على بلاغة القرآن وليس العكس; لأن القرآن كلام الله، وهو المصدر والنموذج الذي نقيس عليه باقي الكلام، فإذا قال القرآن: إنّ محمداً صلى الله عليه وآله وسلم مبَشَّر به في الكتب السابقة، ولم نجد في الكتب السابقة عن بشارة محمد، يكون العيب في هذه الكتب وليس في كتابنا; لأنه يقيناً كلام الله، وتلك الكتب ليست بيقين كلام الله، إنما فيها من كلام الله أشياء باقية وأغلبها ليس من كلام الله، وإنما وضع الشر.

2 ـ اتحاد المعجزة والرسالة في القرآن:

كان رسلُ الله السابقون يأتون بأمرين: الرسالة والمعجزة، الكتاب والآية، مفصولين عن بعضهما، التوراة والعصا واليد مثلاً، الإنجيل وإبراء الأكمة والأبرص وإحياء الموتى والطير ... الخ، الرسالة شيء والمعجزة والآية شيء مختلف; لأن البشرية كانت في مرحلة الطفولة العقلية، ليس لأنها كانت ناقصة في الخلقة، ولكن البشرية من يوم خُلقت وقدراتها العقلية سليمة، إنما الناقص هو المعارف، والمعلومات والتجارب، بدأت البشرية تكوّن معارف وتجارب وخبرات، وتراكم ثقافة وعلم وحضارة، فالحضارة تراكم، والثقافة تراكم، والمعرفة تراكم وقدرات، والذي صنع السيارة التي تسير بسرعة 300 كم في الساعة، استفاد من العربة القديمة وتعلم منها وطوّرها، وجاء من بعده وطوّر، فالبشرية تتقدم، وعقلها ينضج شيئاً فشيئاً بالخبرات، الى أن جاءت بعثة محمد عليه الصلاة والسلام، كانت البشرية قد بلغت في التجربة سن النضج والرشد، فجاء القرآن أنضج من كل ما سبق، وجاء القرآن معتدلاً متوازناً، وليس متطرفاً لا لجهة الروحانيات ولا جهة الماديات. بينما إذا لاحظنا الإنجيل، فهو متطرف، إن جاز التعبير، أي موغل في الروحانية لماذا؟ شخص عنده نسبة السكر في الدم مرتفعة نقول له ممنوع عنك الخبز، النشويات وكل ما يمت للسكر. فنحن بهذه الحالة عالجناه علاجاً متطرفاً لأن وضعه متطرف، ولكن إذا رجع السكر الى نسبة قليلة قلنا له حلي الشاي. فالآن البشرية رجعت الى رشدها والى توازنها، فجاء الكتاب في مستوى رشد البشرية، فاتحدت الرسالة والمعجزة، فصارت شيئاً واحداً، ويحصل هذا لأول مرة في تاريخ الرسالات. والله سبحانه قد فطم البشرية كما يفطم الطفل عندما يكبر (وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية) افعل، تريد آية اذهب ابحث في الارض أو في السماء واحضر آية أنزل آية ايها النبي، لا تتطلعوا الى السماء لن أنزل آية، مع أني قادر أن أسوق لهم آيات بلا عدد، والشمس أليست آية، والقمر أليست آية، والسماء أليست آية، وعيونهم أليست آية، والذي لا يكتفي بهذه الآيات لن يكفيه شيء. فيقولون يا رب كنت تأتي بآيات، لكن العقل البشري كان في طور الطفولة وعدم الرشد، ولكن الآن بلغ الرشد، ولذلك اتحدت المعجزة والرسالة في شيء واحد، وما أصدق قول شوقي:

جاء النبيون بالآيات فانصرمت ... وجئتنا بكتاب غير منصرم

لذلك اين عصا موسى عليهم السلام الآن؟ ماتت، الموتى الذين أحياهم عيسى عليهم السلام، ماتوا مرة ثانية، لكن معجزة محمد، الآن كل آن، ستظل معجزته شاهدة على الإنسان في الزمان والمكان. المعجزة لمن ولماذا؟ فكرة المعجزة لتشهد أن الرسول حق، هل نستطيع أن نثبت من القرآن أن محمداً عليه الصلاة والسلام حق وأن القرآن حق، من نص القرآن، نعم نستطيع; إذاً اكتفينا. يقول: الأستاذ مناع القطان: «الإعجاز: اثبات المعجز. والعجز فى المتعارف: اسم للقصور عن فعل الشيء، وهو ضد القدرة. وإذا ثبت الإعجاز ظهرت قدرة المعجز». لقد تحدى الرسول العرب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير