تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بالقرآن على ثلاث مراحل: القرآن كله، بعشر سور، بسورة واحدة، (أقول بل وبحديث من مثله آية تحمل معنى مفيداً تامة).

أما أوجه الإعجاز فهو أنه معجز في ألفاظه وأسلوبه والحرف الواحد منه في موضعه من الاعجاز الذي لا يغني عنه غيره في تماسك الكلمة، والكلمة في موضعها من الإعجاز في تماسك الجملة، والجملة في موضعها من الإعجاز في تماسك الآية ... وهو معجز في بيانه ونظمه .. وعلومه ومعارفه وتشريعه وصيانته لحقوق الانسان ... الخ.

وإعجازه العلمي ليس في اشتماله على النظريات العلمية التي تتجرد وتكون ثمرة للجهد البشري وإنما في حثه على التفكير. [القطان، مناع. مباحث في علوم القرآن، بيروت، مؤسسة الرسالة: 1986 م ـ 1407 هـ، ص 258 ـ 280 بإيجاز.]

3 ـ القرآن كتاب هداية وفرقان وذكر وتبصرة:

هذا هو مقصده الأسمى، (اهدنا الصراط المستقيم)، (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين)، ليس من المفروض أن يكون القرآن كتاب معرفة تفصيلية، ولا يطلب منه أن يصنع المعجزات وأن يحل فوراً المشكلات، لن يفعل، العقل البشري يجب أن يبدع في الاجتماع والاقتصاد والسياسية والإنسانيات والفلك والطب .. الخ، القرآن ليس من مهمته أن يأتي بمعلومات تفصيلية في الطب والفلك والفيزياء والمعارف، لا، لكنه كتاب هدى لما لا يستطيع العقل أن يعرفه من عالم الغيب. وكذلك ليس من شأن القرآن ولا فلسفة القرآن أن يجترح المعجزات، ولو كان ثمة كتاب على الأرض يصنع المعجزات، لكن هذا القرآن اولى كتاب بذلك. نحن دائماً نبحث عن أحسن الفهم، ولنضرب لذلك مثلاً بضيوف من علية القوم هل نحضر فواكه عادية من أي مكان؟ بل نسأل هل هناك أحسن من هذه الفاكهة; لأن عندنا ضيوف من العلية.

نود أن نصل الى أحسنية الفهم، والمسافة واسعة بين الفهم وأحسن الفهم. إن القرآن ليس كتاب معرفة تفصيلية في المعارف الإنسانية، العقل يمكنه أن يأتي بها وحده، لكن هناك عالم ملائكة، وآخرة وميزان، وصراط وحساب، هل يمكن للعقل أن يأتي بها؟ أو الصفات، أو العرش، هذه أمور لا تُعرف بالعقل، ولكن خبّرنا القرآن عن كل ما يلزمنا عن عالم الغيب، عن كل ما يلزم من عالم المثل والقيم، والتشريع والعدل المطلق. إذاً كل ما كان للعقل فيه مدخل للعمل والإبداع ترك العقل يعمل فيه ويبدع، حتى وإن وصل بعد ألف سنة، والحياة مستمرة بالكمبيوتر وبغيره ولكن بغير هدى هل تستمر الحياة؟ لا، (فإن له معيشة ضنكا)، وعند ذاك سنصبح أقرب الى الحيوانات، أو عالم الشياطين، الإنسان بلا هدى بلا قرآن، واحد من اثنين إما الى عالم الشيطان او الحيوان، وهذه ليست حياة، بلا وسائل مادية، هل تستمر الحياة؟ نعم.

إذن الكتاب يصنع المعجزات، ولكن بمقدار تفاعل الإنسان معه، في القرآن النصر معه، ولكن ليس على طريقة، (فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)، لا، بل (فقاتلا إنا معكم مقاتلون)، نعم نصنع حينها المعجزات، وهكذا، القرآن يفعل في الكون وفي الحياة وفي المجتمع، بمقدار ما ينفعل الناس به ومعه فيعطي، ولو زدنا إيماننا بالقرآن نزيد، يزداد خيرنا نزيد، وزدنا أيضاً يزيد، وإن زدتم يزيد القرآن، (ولدينا مزيد) فاذا زدت يزداد عليك الخير، وهكذا الى مالا نهاية، يزداد العطاء الرباني من القرآن. قال الأستاذ سيد قطب في «هذا الدين»: «إن هذا الدين منهج إلهي للحياة البشرية، يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد البشر أنفسهم في حدود طاقتهم البشرية، وفي حدود الواقع المادي للحياة الإنسانية في كل بيئة، ويبدأ العمل من النقطة التي يكون البشر عندها; حينما يتسلم مقاليدهم ويسير بهم الى نهاية الطريق في حدود طاقتهم البشرية، وبمقدار ما يبذلون من هذه الطاقة.

وقد شاء الله أن يتم تحقيق منهجه الإلهي للحياة البشرية عن طريق الجهد البشري وفي حدود الطاقة البشرية: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) وشاء الله أن يبلغ الإنسان هذا كله بقدر ما يبذل من الجهد، وما ينفق من الطاقة، وما يصبر على الابتلاء، في تحقيق هذا المنهج الإلهي القويم، وفي دفع الفساد عن نفسه وعن الحياة من حوله: (أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير