تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا المنهج الإلهي .. لا يتحقق في الأرض وفي دنيا الناس بمجرد تنزله من عند الله، لا يتحقق بكلمة كن الالهية مباشرة لخطة تنزله، ولا يتحقق بمجرد إبلاغه للناس وبيانه، ولا يتحقق بالقهر الإلهي، على نحو ما يمضي ناموسه في دورة الفلك، وسير الكواكب، إنما يتحقق بأن تحمله جماعة من البشر تؤمن به إيماناً كاملاً وتستقيم عليه ـ بقدر طاقتها ـ وتجتهد لتحقيقه في قلوب الآخرين وفي حياتهم كذلك، وتجاهد لهذه الغاية بكل ما تملك.

فإرادة الله هي الفاعلة في النهاية وبدونها لا يبلغ الإنسان بذاته شيئاً، ولكن هذه الإرادة تعين من يعرف طريقها ويستمد منها ويجاهد في الله ليبلغ رضاه ... » [سيد قطب. هذا الدين. بإيجاز، بيروت، دار القرآن، الاتحاد الإسلامى العالمي للمنظمات الطلابية، 1389 هـ / 1978 م، ص 4 ـ 13.].

4 ـ النقل والعقل صنوان لا ينفكان ورفيقا درب لا يفترقان:

النقل والعقل، وإن شئت القرآن والعقل، هما صنوان، وهل يمكن أن يكونا غير ذلك؟ إن فك الارتباط بينهما غير ممكن، فالقرآن لا يكتفي بنفسه دون عقل، والعقل لا يقوم وحده بدون نص، لابد من الاثنين الروح والجسد، ما مقدار حاجة كل لكل، مئة بالمئة، حاجة الفناء أو البقاء، لا روح بلا جسد ولا جسد بلا روح، فالنقل ينزل على العقل فيتفاعل العقل معه ويبدع الفهم، ولولا هذا الفهم لما جاء النقل أصلاً، إذاً من يجلّي كنوز النقل إنه العقل، إياك أن تظن أن العقل عدو النقل، كما يظن بعض الناس من دهماء المسلمين، إذا ذكر العقل العقل إشمأز واستعاذ بالله وظن أننا فلاسفة، وظننا معتزلة أو مبتدعين أو أن الغزو الثقافي أثر علينا، إن إعلاء شأن العقل لب ديننا، وإن شئت نسرد بعض الآيات، وقد جمع العقل والنقل في آيات. (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون)، (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) يبدأ بالنقل وينتهي بالعقل (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبّروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) ابتدأ بالكتاب وانتهى بالألباب، هكذا منهج مضطرد (أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) ختمت الآية (وما يتذكر إلا أولو الألباب)، ولذلك بدأ بالكتاب وانتهى بالألباب للمرة العشرين، نفس الظاهرة (وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) النقل والعقل، (كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون)، (ويريكم آياته لعلكم تعقلون)، (ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون)، من عدة سور: الأنعام والزخرف والعنكبوت والروم آيات مختلفات، لكن كأنها سبحان الله آية واحدة، صيغة يعقلون فقط (22) مرة، وصيغة تعقلون (49) مرة في ثلاثين سورة، يعني يعقلون بالغيبة، أقل من نصف تعقلون بالخطاب، حتى مجرد الاحصاء له دلالات، تعقلون بالخطاب (49) في ثلاثين سورة، أما في الغائب (22) إذاً تضاعفت السور بصيغة يعقلون عن تعقلون ثلاثة أضعاف عشرة الى ثلاثين سورة، بالخطاب مرتين ونصف تقريباً، ولكن عدد السور ثلاثة أضعاف، لماذا صيغة تعقلون أكثر؟ خطاب مباشر، (أفلا تعقلون)، (لعلكم تعقلون)، أكثر أهمية، إذاً الحقيقة في مناطق لا يكشف عن مخبوئها الا العقل، فلابد أن يبدع العقل ويطلع معاني الآيات، لأن القرآن أمرنا بالتدبر، إذا العقل معطل ليس له دور (كتاب أنزلناه مبارك ليدبّرَوا آياته) و (وليتذكر أولو الألباب) لماذا؟ وهو ما معنى تدبر: هو إعمال العقل، هذا الموضوع قديم، فلماذا نبحثه، حيث إن هذه الأمور البديهية؟ لأن المسلمين في تخلف ومحتاجون أن نؤسس في عقولهم البدهيات، يعني قوله تعالى في قصة يوسف أو في قصة آدم، أو في أي موضوع من الموضوعات، في قصة آدم مثلاً، قوله تعالى (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) كيف عرف الملائكة أن آدم أو ذريته سيخرج منه هذا، هل القرآن أعطانا تفسيراً؟ ما الدليل إن كان هناك مخلوقات سابقة؟ لا يوجد دليل، هذا خبط في البيداء على العمى، إذاً لن نفهم النقل إلا إذا أعملنا العقل، قوله تعالى (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) إذا من أين علموا أن آدم سيفسد فيها؟ الله أخبرهم ولكن القرآن لم يخبرنا، القرآن قال (إني جاعل في الأرض خليفة)، فالقرآن عندما خبرنا اقتصر فيما أخبر على خليفة، والقرآن عندما أخبرهم رب العالمين، كلمهم عن مسألتين: (إني جاعل في الارض خليفة) و (من يفسد)، لذلك إكراماً لنا غض الطرف عن ومن يفسد، فلما استفسر الملائكة غضوا الطرف عن خليفة،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير