تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وركزوا على من يفسد.

هما خبران وليس واحداً، القرآن أخبرنا خبراً والله تعالى أخبر ملائكته، لما روي لنا الخبر إكراماً لنا قال (إني جاعل في الارض خليفة) فقط، لكن الخبر لما صدر من الله الى الملائكة أخبرهم أمرين، من أين جئنا بهذا الكلام؟ من الآيات التي تلي (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) مثل آخر، إبليس أكان مأموراً بالسجود أم لا؟ يا ملائكة اسجدوا لآدم، يقول أنا لست من الملائكة، (أو كما تقول بعض التفاسير أن إبليس من الملائكة) انظر للآية مرة أخرى (وإذ قال ربك للملائكة اسجدوا لآدم) (قال يا إبليس ما منعك)، الصحيح أن القرآن قال إنه كان من الجن ففسق عن امر ربه، لكن هل كان مأموراً بالسجود؟ نعم مئة بالمئة، نصاً لا ضمناً، إذاً لما صدر الأمر (وإذ قال ربك للملائكة ولإبليس اسجدوا) ولكن احتقاراً لإبليس، حين يتدبر العقل في النقل يكتشف المتشابه، نريد أن نقتنع بالبديهية، فهل البديهية أصبحت بديهية؟

قال الأستاذ العقاد في (التفكير فريضة إسلامية): «العقل الذي يخاطبه الاسلام هو الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق، ويميز بين الأمور، ويوازن بين الأضداد، ويتبصر، ويحسن الإدكار والروية، وإن هو العقل الذي يقابله الجمود والفوت والضلال، وليس بالعقل الذي قصاراه من الإدراك أنه يقابل الجنون. وأكبر الموانع في سبيل العقل: عبادة السلف التي تسمى بالعرف، والاقتداء الأعمى باصحاب السلطة الدينية والخوف المهيمن لأصحاب السلطة الدنيوية.

والعلم في الإسلام يتناول كل موجود، وكل ما يوجد، فمن الواجب أن يعلم، فهو علم أعم من العلم الذي يراد لأداء الفرائض والشعائر. كل ما نراه (في الكون) ونكرر رؤيته فهو معجزة تدعو الى العجب .. ولكنها المعجزة التي يعمل العقل لفهمها وليست هي المعجزة التي تبطل عمل العقل ... والإسلام دين المعجزات التي يراها العقل حيثما نظر، وليس بدين المعجزات التي تكف العقل عن الرؤية وتضطره بالإفحام القاهر الى التسليم. فالمعجزة التي تتجه الى العقل موجودة يلتقي بها من يريدها حيثما التفت اليها، ولكنها غير المعجزة التي تقنع من لا يقتنع بتفكيره ... ومن لم يقتنع بتفكيره فلن تهديه المعجزة من ضلال. والإسلام دين المعجزة التي تفحم العقل ولا تقنعه، لأن دين العقل والتفكير فريضة فيه .. والإسلام يضع المعجزة في موضعها من التفكير، ومن الاعتقاد، فهي ممكنة لا استحالة فيها على الخالق المبدع لكل شيء، ولكنها لا تهدي من لم تكن له هداية من بصيرته واستقامة تفكيره ... » [العقاد، عباس محمود. التفكير فريضة إسلامية، بيروت، دار الكتاب العربي، ط 2، 1969، ص 20 ـ 107 بإيجاز.]

5 ـ القرآن والمعرفة الإنسانية مرتبطان:

كلما اتسعت دائرة المعارف الإنسانية، اتسعت دائرة فهم القرآن، ولذلك لا يكفي فهم المعاني اللغوية من القواميس، بمعزل عن المعاني السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والنفسية، (وأمرهم شورى بينهم) هل استفادت الإنسانية من هذا الحكم؟ والتجاوزات فيها، فقنعت وشرعت وطورت، لا أدري، فالأمة اتسعت دائرة المعارف فيها، وكلما اطلعنا على الحضارات والثقافات زاد فهمنا في القرآن الكريم، فسيد قطب ـ رحمه الله ـ صاحب الظلال، قال: أخذت من عمري (40) وأنا أقرأ الجاهلية، ولست نادماً، بالنسبة له الاطلاع على الجاهلية مفيد، وليس سلبياً من السلبيات، ومحمد قطب قرأ عن التربية عند الغربيين، ثم وظف ما قرأ في تفسير القرآن، فلو لم يكن قد قرأ التربية عند الآخرين لربما لم ينفتح له من آفاق المعنى القرآني ما انفتح، لا نريد أن نتقوقع ونقفل علينا النوافذ والأبواب، لقد شرّع القرآن هذه النوافذ لكنه وضع عليها شبكاً، يحميها من كل فساد، ليس كل ما عند الآخرين فاسد، الحضارة الغربية فاسدة، لكن هل كل شيء فاسد، إن في الحضارة الغربية علماً لا يمكن أن نصل اليه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير