تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إنما عدوه الجهل، القرآن أكثر من مرة دعانا الى التدبر، أي اعمال الفكر، لقد قلنا مراراً: إن بعض الأصحاب وبعض التابعين كان يقوم الليل يردد آية، ما الذي يفعله بها؟ كان يقلب النظر في هذه الآية، (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته) فكما قلنا من قبل ان التدبر حيث ورد في القرآن ورد بصيغة الجمع، التدبر جماعي والتلاوة فردية (ورتل القرآن ترتيلا). (وآن أتلو القرآن) (إقرأ) ... الخ، فلاذا التلاوة فردية والتدبر جماعي؟ التدبر عمل مؤسسي; الجانب النفسي والعملي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والعلمي، فتتكامل الرؤى فيكون هناك تدبر للقرآن الكريم، ولذلك لأمر ما جاء أمر التدبر بصيغة الجمع وهكذا ... الخ.

8 ـ القرآن كتاب الحكمة:

القرآن كتاب حكيم نزل من رب حكيم في ليلة فيها يُفرق كل أمر حكيم على رسول حكيم لينشئ أمة حكيمة، فالسورة كما ترون محاطة بالحكمة من كل جوانبها، والله تعالى امتن على المؤمنين بانه بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين، (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة)، وحتى يضيّع البعض بركة الفهم قالوا: واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والسنة، بهذه الطريقة نكون قد قضينا على طريقة الفهم تماماً، وقطعنا دابره نهائياً. هل المراد بالحكمة في الآية في سورة الأحزاب السنة؟ قولاً واحداً لا، نحن قلنا في الفهم: نريد أن نرجع للغة العربية، فهل في اللغة العربية أن الحكمة هي السنة، قالها واحد وقلّده البقية، لا بد ان نرجع الى القاموس أو لا أن نقول: قال فلان أو قال علاّن، (ولقد آتينا داود الحكمة) أهذه سنة أيضاً، انما الحكمة أحسنية الفهم. إذن الكتاب والحكمة (ومن يُؤْتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب)، الحكمة الفهم والفهم المناسب للنص الذي يضع الأمور في نصابها ومعاييرها ... الخ.

فكنوز هذا الكتاب لن تتجلى إلا إذا ارتقى العقل المسلم الى مرتبة الحكمة، التي هي مرتبة الإحسان أن نصل بالشيء الى ذروته، لكن كتاب عظيم وأمة متخلفة كيف يصير ذلك؟ كانت النصوص توضع بين أيدي أناس عقلاء. أصبحت النصوص الآن توضع بين أيدي اناس حمقى، فإسلامنا مظلوم منا وبيدنا أشد والله من ظلمه على يد الغربيين والمستشرقين واليهود والنصارى، ويمكن بحسن نية (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)، عندنا نص مستقيم ولكن عقل أعوج ما الفائدة؟ فمثل ذلك مثل العود عندما نضعه في الماء ينكسر، والنص المستقيم عندما تضعه في العقل الأعوج ينكسر النص ويخرج هذا النص أعوجاً، وأحياناً يخرج نقيض مراده بالضبط، إذن لا بد أن يُقرأ الكتاب بالحكمة، يرتقي العقل المسلم الى مرتبة الحكمة التي هي قمة الارتقاء العقلي، وقمة التطور الفكري التي هي مرتبة الحكمة وأحسنية الفهم، وللارتقاء بالعقل المسلم يحتاج الى جهد منظم ومبرمج، نحن حتى الآن لا نفهم عمل الفريق في الجهد العقلي، فهرسة السنة لم يشتغل بها المسلمون بل اشتغل بها الكفار والمستشرقون، المسلمون لا يعرفون عمل الفريق، أما الكفار فيعرفون كيف يعمل العقل!! إذن لا يوجد عندنا العقل الجماعي ولا العمل الجماعي ولا التفكير الكلي ولا التفكير التركيبي، عندنا التفكير الذرّي، طبعاً لا يعني ذلك أن الله خلق العقل العربي متخلفاً، لكن البيئة لها دور في تشكيل العقل; فالإنسان ابن بيئته، ويتنفس المفاهيم منها، فلما كانت بيئتنا متخلفة عقلياً وفكرياً كنا كلنا كذلك، فتجد أن المتدينيين والشيوعيين والليبراليين والوطنيين متخلفون، المسلم والشيوعي والحكومي والليبرالي كلهم متعصبون، المسلم والشيوعي والحاكم كلهم فرديون، حتى المسلمون عندما يعملون عملاً كل يقول أنا، مع أن ديننا قائم على غير هذا، ديننا شوري، لكن أين العمل الإسلامي الشوري؟ لا بد أن نرتقي، ولن نرتقي بالبيئة ما لم نرتق بالعقل، ولن نغير البيئة إلا إذا تغير العقل والعكس صحيح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير