تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولعل سائلاً يسأل ما المعنى الذي ترمي إليه الآية فنقول: هو أمر الله جل وعلا وإرشاده لأزواج النبي ? أن يترفعن عن كل ما من شأنه أن لايتناسب وسمعة بيت النبي وكونهن ينتمين إلى هذا البيت الذي هو بيت أعظم النبيين وخاتمهم وأطهرهم، فعليهن أن يدركن خطر هذا الانتماء والمنزلة التي وضعهن الله فيها وأي نقاوة يريدها الله لهن ويحب أن يتصفن بها، ولذلك نهاهن أن يطالبن رسوله بما تطالب به النساء الأخريات أزواجهن من الزينة والنفقة، وبين "إن من يأت منهن بمعصية ظاهرة القبح يضاعف عقابها، فإن المعصية من رفيع الشأن أشد قبحاً فناسب أن يضاعف جزاؤها". والجملة الشرطية لاتقتضي وقوع الشرط كما تقول لولدك إن رسبت ضربتك والقصد تحذيره حتى لايرسب، ولذلك خاطب الله رسوله قائلاً: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) "1"، وهو ? لم يشرك ولم يحبط عمله. وقال له أيضاً: (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ) "2"، وهو ? لم يشك ولم يسأل.

فكذلك قوله لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ)، فلم تأت واحدة منهن بفاحشة ولم يضاعف لها العذاب، بل العكس حصل – كما سأوضحه – والنهي لايستلزم وقوع المنهي عنه كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) "1"، وذلك في مطلع السورة التي خاطب الله بها أزواج نبيه بقوله: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) وقوله – (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ورسوله الله ? لم يطع الكافرين والمنافقين وأزواجه لم يخضعن بالقول ولم يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، بل أقمن الصلاة وآتين الزكاة واتقين الله وأطعنه ورسوله وقمن بتنفيذ هذه الموعظة خير قيام واخترن الله ورسوله والدار الآخرة والعيش مع رسول الله على خشونته وخلو بيته من كل ما يمكن أن يجذب امرأة ويغريها بالبقاء فيه، ولقد كان اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة على الدنيا وزينتها صادقاً حقيقياً مقبولاً عند الله الذي لاتخفى عليه خافية والدليل على ذلك أن الله قبل هذا الاختيار بأن كافأهن بجملة أمور منها:

- حرمة الزواج عليهن.

- حرمة تطليق واحدة منهن ليتزوج غيرها.

- وذلك بقوله في الأية (52) من السورة نفسها: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ) وهذا تحريم للزواج عليهن – (وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) وهذا تحريم لتلطيق أي واحدة منهن.

- ومنها اختيارهن أمهات للمؤمنين (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) "2"، وتحريم زواجهن من غير رسول الله ? بعد وفاته ليبقين زوجات أبديات لهذا الرسول الكريم لا في الدنيا فقط، وإنما في الآخرة أيضاً، وذلك بقوله: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً) "3".

وكل هذه التوجيهات والتحذيرات والوصايا من أجل ماذا؟ من أجل أن الله يريد لهذا البيت أن يكون طاهراً بعيداً عن كل ما يقدح في طهارته ورفعته. فقوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، تعليل لما تقدم وروده في السياق من الأوامر والنواهي كما قال في الآية (53) من السورة: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ) لماذا؟ قال (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) فعلل الأمر بالسؤال من وراء حجاب بالتطهير لقلوب السائلين وقلوبهن وإذن هذا التطهير مراد من قبل الرب وهو علة الأمر، فكذلك التطهير الأمر مراد من الرب وهو علة الأوامر والنواهي الأولي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير