تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

شيئ .. وأما الذي أحققه لكم في أمر التسبيح: أنه جاء في القرآن الكريم بالنص على أن يكون التسبيح بحمد ربنا كقوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (44) سورة الإسراء فهذا خبر عن شيئين لا شيئ واحدٍ هما التسبيح والتحميد معاً؛ لأن معنى الباء التي في {بِحَمْدَهِ} وهو الذي لا يصح غيره من الوجوه التي ذكرها بعض النحويين: إنما هو للمصاحبة الدالة على الحال .. أي نسبح متلبسين بحمدك، وأنتم تعلمون أن الحمد أمران هما: مدح الله بصفاته وأفعاله المقدَّسة التي فيها أسماؤه؛ لأنها على الكمال المطلق لا يستحقها غيره بينما الأوصاف في المخلوقين إما عارضة وإما محدودة الأثر .. وثاني الأمرين الشكر على نعم الله وآلائه الصادرة عن كماله جل جلاله في صفاته وأفعاله؛ فهم يسبِّحون الله بتنزيهه عن النقائص -وهذا هو التخلية بالخاء المعجمة- مستصحبين حمد ربهم مدحاً وشكراً (وهذا هو التحلية بالحاء المهملة) .. والتسبيح من لوازم معنى الحمد؛ لأن الحمد اعتراف بالكمال المطلق الذي لا يُتصَوَّر معه سلبٌ أو إضافة؛ فتضمَّن ذلك التسبيح لزوماً .. وفي غير التعجب بكلمتي (سبحان الله) يأتي التسبيح في الشرع مع الحمد إما عطفاً مثل (سبحان الله، والحمد لله)، وإما بما سلف من معنى مصاحبة التسبيح للتحميد .. وزادت السنة المطهرة الواو مع باء المصاحبة في مثل حديث السجود والركوع في صحيح البخاري وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك)، وقد جاءت الواو من تأوُّلِ الرسول -صلى الله عليه وسلم) للآية -كما في نص الحديث- من قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} (3) سورة النصر؛ فالمعنى أسبحك يا ربي وأسبح بحمدك، ومآل المعنى أسبحك بنفي النقائص، وأسبحك بالاعتراف بحمدك مدحاً وشكراً .. وأما الوجه الثاني فقد ضعَّفه بحقّ القاضي عياض رحمه الله وقال: (قيل: (وبحمدك) ابتدائي) (1) فضعيف جداً لا يليق بالسياق؛ لأن التنزيه مقدم؛ ولهذا قال ربنا سبحانه: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} (256) سورة البقرة فقدَّم التخلية بالمعجمة على التحلية بالمهملة. ورأى الواعظ حفظه الله أن معنى التسبيح بحمد الله أن يكون التسبيح بما شرعه الله من الحمد؛ فأخذ بأبطل الأقوال؛ لأن التسبيح لا يُغني عن الحمد لثلاثة براهين:

أولها: الاختلاف في المعنى؛ فالتسبيح تنزيه لله بنفي النقائص؛ ولهذا جاء في القرآن مثل: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} ((180 سورة الصافات؛ فنفى سبحانه وتعالى ما ادَّعاه الكفار من نقصٍ بالتسبيح، ثم جاء مقتضى التسبيح في مثل قوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} (255) سورة البقرة، و {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (64) سورة مريم، وقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} (58) سورة الفرقان .. والحمد إثبات كمالٍ كما في قوله تعالى في أكثر من موضع: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (137) سورة البقرة، و {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى، و {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (3) سورة الحديد.

وثانيها: أنه جاء التسبيح وحده، ثم عُطِف عليه الحمدُ في مثل الحديث الصحيح: (سبحان الله، والحمد لله).

وثالثها: أن التسبيح والحمد جاءا مقترنين؛ فحُمِل الحمدُ على المعهود، وهو أن يقترن التحميد بالتسبيح؛ فهما مأمور بهما معاً .. ومع أن التسبيح من لوازم التحميد إلا أن التسبيح مقدَّم؛ لأن هناك كمالاتٍ في عُرْف البشر ولم ترد توقيفاً كالمفكِّر والعاقل والشجاع ومهندس الكون؛ فأنت تردُّ اللفظ بلا تردُّدٍ، ثم تنفي من المعاني ما لا يليق بكمال الله الثابت بأسماء الحمد التوقيفية، فالتسبيح مقدَّم اعتقاداً وقولاً، وهو فكراً من لوازم الحمد، والحمد التوقيفي هو مرجع التنزيه .. وجاء التسبيح في القرآن معلَّلاً بأنه من أجل الله في مثل قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (1) سورة الحديد، و {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} (44) سورة الإسراء؛ فالتسبيح له سبحانه، ومن أجله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير