تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

للادِّعاء والتهويل كان الصواب في حق الله سبحانه (بلوغ الغاية) لا (المبالغة) .. والقول بأنه لم يرد على وزن (فُعُّول) بضم الفاء والعين المهملة المشدَّدة غير سبوح وقدوس هو الصحيح، وإليه ذهب القاضي عياض رحمه الله تعالى (8)، وأما (الذُّرُّوح) التي ذكرها أبوإبراهيم الفارابي رحمه الله تعالى (9) فهو حشرة في حجم الذباب، وأصله فتح الذال المعجمة المشدَّدة، وإنما جاء الضم في بعض اللهجات لمراعاة أمرين: أولهما أن المفرد مضموم الحرف الأول مثل ذُرَحْرَح، وثانيهما وجود النون في بعض اللهجات مثل (ذُرنوحة)؛ فهو مفرد ذرانيح في قولك (الذُّروح)، ولم يُقصد به بلوغ الغاية في الصيغة من غير إرادة الجمع، وأصلها (ذُرنوح) على وزن (فُعْنُول)؛ فحُوِّلت إلى (فُعُّول) تخفيفاً .. وعند العامة وصف الصبي بالذرنوح؛ لدقة حركاته، والذرنوح عندهم أيضاً كحلٌ عُنَّابي للاستشفاء به لا للزينة يُسَمُّونه حُمْرَة.

والوقفة الحادية عشرة: كلمة (سبحان) على وزن (فُعْلان) بضمِّ الفاء وسكون العين المهملة تأتي في لغة العرب اسماً جامداً مثل ثُعبان وبستان وعثمان وركبان جمع راكب، وأكثر ما تُستعمل جمعاً، ولما كان السبحان اسماً للتسبيح لا جمعاً له دل على أنه لبلوغ الغاية في التسبيح ما دامت معاني الصيغة في جمهورها للجمع، وقد أُنيبَ مناب المصدر، وهذا جائز؛ لكون الصيغة في لغة النحاة مشتقة، وإنما نابت مناب المصدر لَمَّا أريد معنى بُلوغ الغاية، وأما المصدر حقيقة فهو التسبيح (سَبَّح تسبيحاً) .. مصدر للفعل الرباعي (سبَّح) بتشديد الباء.

والوقفة الثانية عشرة -وهي الأخيرة-: أخطأ بعضُ النَّقَلة على سيبويه في زعمه أن سيبويه لم يذكر غير الفتح في سَبُّوح قَدُّوس، والصواب أنه ذكر الوجهين؛ فقال: (ومن العرب مَن يرفع فيقول: سُبُّوح قُدُّوس) (10)، وذلك بعد أسطر من قوله: (وأما سَبُّوحاً قَدُّوساً ربَّ الملائكة والروح) فليس بمنزلة (سبحان الله) (يعني في العمل عملَ المصدر خلاف الاسم المجرَّد للاسمية)؛ لأن السَّبُّوح والقَدُّوس اسم، ولكنه على قوله (أي على إضمار مقدر في قولهم: ذكرتُ سَبُّوحاً) .. وقد ضبطها قلمياً لا تنصيصاً في هذا الموضع محقِّق الكتاب الأستاذ عبدالسلام محمد هارون رحمه الله بضم سين سبوح وقاف قدوس .. وهذا خطأ من وجوه:

أولها أنهما جاءا وصفاً ل (ربَّ) بفتح الباء المشددة غير مضافين إليها، وثانيها أن كلام سيبويه لَحَنَ إلى أنهم ظَنُّوها عاملةً عملَ المصدرِ (تسبيحاً) وهذا يقتضي الفتح؛ فبيَّن لهم سيبويه أنها اسم مجرَّد .. وما كذب الإمام سيبويه رحمه الله في حكاية الرفع والنصب عن العرب إذْ قال: (وكل هذا على ما سمعنا من العرب تتكلم به رفعاً ونصباً) (11) .. إلا أن المسموع بالفتح خطأ مبنيٌّ على توهُّم بعض العرب أن سَبُّوحاً بفتح السين بمنزلة (تسبيحاً) و (سبحانَ) .. وثالثها أن سيبويه ذكر بعد ذلك الضم، فقال: (ومن العرب مَن يرفع، فيقول: سُبُّوحٌ) يعني ضمَّ السين لا الحاء؛ لأن آخر الكلمة ليس محل إشكال؛ فهو خاضع للإعراب؛ فدلَّ ذلك على أن (سَبُّوحاً) التي ذكرها أوَّلاً بفتح السين .. والوجهان اللذان حكاهما عن العرب لا يُعقل أن يكون المراد بهما آخر الكلمة؛ لأن المرجع في ذلك للإعراب النحوي لا لنقل البُنْية عن العرب. قال أبوعبدالرحمن: وأسلفت في حديثي السابق القول عن سريالية الحلم، وههنا أستدرك القول بأنه (12) لا قيمة لإخبار شخص ما بوقائع حلمه في النوم، ولا بوقائع حلمه في اليقظة، ولا بتعبيره المباشر بأنه يحلم بكذا بمعنى يتمناه؛ فقول معالي الدكتور غازي القصيبي حفظه الله - الذي عجزتُ أن أُخرجه من دائرة صمته إلا أن أَهْجُوَه بقصيدة رنانة فوق ما يُبدع هو!! - في قوله الذي سأسوقه إن شاء الله بعد مقدمة فاطمة الرومي؛ إذ قالت: (الحلم واحة خضراء في صحراء الحياة اللاهثة؛ فماذا عسانا نجد في تلك الواحة، وماذا عساهم يغرسون في بستان أحلامهم؟؟ .. هذا ما سنعرفه في بابنا آفاق الحلم الذي نلتقي من خلاله مع عدد من المبدعين والمبدعات؛ لنرافقهم (في) رحلة حالمة إلى مدائن الحلم الجميل)، ثم يأتي كلام معالي الدكتور بعد كل سؤال لفاطمة هكذا:

ما الذي يعنيه لك الحلم؟:

الحلم هو انتصار الخيال المبدع الجميل على الواقع الغبي الكئيب.

بماذا تحلم؟:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير