تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الثاني: أن هذا التفسير ـ وإن تحمس له بعض المتشددين ـ لا ينسجم مع بقية الآية وهي: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن ... ) الآية فالزينة الأولى هي عين الزينة الثانية كما هو معروف في الأسلوب العربي: أنهم إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه، فهو هو، فإذا كان الأمر كذلك، فهل الآباء ومن ذكروا معهم في الآية لا يجوز لهم أن ينظروا إلا إلى ثيابهن الباطنة؟! ولذلك قال أبو بكر الجصاص رحمه الله في أحكام القرآن (3/ 316):

"وقول ابن مسعود في أن (ما ظهر منها) هو الثياب، لا معنى له، لأنه معلوم أنه ذكر الزينة والمراد العضو الذي عليه الزينة، ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها، فعلمنا أن المراد مواضع الزينة، كما قال في نسق الآية بعد هذا: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن)، والمراد موضع الزينة، فتأويلها على الثياب لا معنى له، إذ كان مما يرى الثياب عليها دون شيء من بدنها كما يراها إذا لم تكن لابستها").

قال الشيخ أحمد بن محمد الشنقيطي في كتابه مواهب الجليل من أدلة خليل (1/ 148):

(من يتشبث بتفسير ابن مسعود: (إلا ما ظهر منها) يعني الملاية يجاب بأن خير ما يفسر به القرآن القرآن، وأنه فسر زينة المرأة بالحلي، قال تعالىولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن)، فتعين حمل زينة المرأة على حليها).

ويقول الشيخ القرضاوي:

(الإستثناء في الآية يفهم منه قصد الرخصة والتيسير، وظهور الثياب الخارجية كالعباءة والملاية ونحوهما أمر اضطراري لا رخصة فيه ولا تيسير).

ويقول بعض طلبة العلم:

(مع فرض النسخ فإن آية الحجاب لم تنزل بعد آية الزينة كما ذكر شيخ الإسلام و لكن العكس هو الذي حدث، فآية الحجاب نزلت لما تزوج النبي صلى الله عليه و سلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها و كان هذا في السنة الخامسة للهجرة أي في عام الأحزاب أما آية الزينة فنزلت بعد غزوة المصطلق في العام السادس للهجرة و خصوصاً بعد حادثة الإفك، فيصبح النسخ هنا عكسياُ، بمعنى أنه تم التشديد على النساء أولاً ثم تم التخفيف عنهن، هذا إذا فرضنا أن هناك ما يوجب على نساء المسلمين أن يغطين وجوههن أصلاً، سواء في آية الحجاب أو آية الإدناء، بالرغم ما أثبته أخي الأزهري في الموضوعين الآخرين بأنه لا يوجد دليل على وجوب التغطية.

و يؤكد ذلك ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها عن حادثة الإفك من قولها:

ورجعت إلى المعسكر وما فيه من داع ولا مجيب، فتلففت بجلبابي واضطجعت في مكاني وعرفتُ أنهم يرجعون إليّ إذا افتقدوني. قالت: فوالله إني لمضطجعة إذْ مَرّ بي صفوان بن المُعَطّل السلمي وقد كان تخلف عن العسكر لحاجته فلم يبت مع الناس فلما رأى سوادي أقبل حتى وقف عليّ فعرفني، وكان رآني قبل أنْ يُضْرَبَ الحجاب، فلما رآني استرجع وقال: ما خلفكِ؟ قالت: فما كَلَّمْتُه تم قَربَ البعير

وقال: اركبي فركبتُ، وأخذ برأس البعير مسرعاً، فلما تزل الناس واطمأنوا أطلع الرجل يقود بي فقال أهل الأفك: ما قالوا، فارتعج العسكر ولم أعلم بشيء من ذلك.

و هذا يدل على أن آية الحجاب قد نزلت قبل حادثة الإفك و هي خاصة بأمهات المؤمنين كما هو معروف.

و تقول أيضاً:

وكان كِبَر ذلك عند عبد الله بن أبيّ بن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش، وذلك أنّ زينب أختها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارني لاختها

و هذا يدل على أن السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها كانت من أمهات المؤمنين حينها و انه مرت مدة من الزمن و لو يسيرة على صلة الضرارة بين امرأتين حتى تنشأ في القلوب مثل هذه النزاعات.

و تقول أيضاً:

فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة قال أسيد بن حضير: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنْ يكونوا من الأوس نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا الخزرج فمرنا بأمرك. فقال سعد بن عبادة، والله ما قلتَ هذه المقالة إلا وقد عرفت أنهم من الخزرج ولو كانوا من قومك ما قلتَ هذا، فقال أسيد: كذبت ولكنك منافق تجادلُ عن المنافقين. وتثاورَ الناس حتى كاد يكون بينهم شر،

و هذا يدل على أن زعيم الأوس حينها كان أسيد بن الحضير رضي الله عنه و لم يكن سعد بن معاذ رضي الله عنه لكونه استشهد في غزوة بني قريظة بعد غزوة الأحزاب مباشرة،

بالتالي نستنتج أنه لا مجال للقول بالنسخ أو ما شابه و أن الرأي الراجح هو ما عليه الجمهور إن شاء الله) انتهى كلامه.

الجواب على الاعتراض الثاني:

كونه يحتمل أنه أراد به الزينة التي نهين عن إبدائها احتمال غير صحيح ولو سلمناه في تفسير ابن عباس فما قولكم في تفسير ابن عمر -رضي الله عنهم- فقد قال إن الزينة الظاهرة هي الوجه والكفان؟ وقد مر في الآثار الواردة عن الصحابة وعد باقي الصحابة الاستثناء في الآية راجع إلى زينة الوجه والكفين (وقد قدمنا الآثار الواردة عن عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما-).

وكذا فسرها أكابر التابعين وقد قدمنا هذا.

أما الاعتراض بوجود تفسير لابن عباس يعارض ما ذهب إليه فهو أثر ضعيف لا يصح.

الجواب على الاعتراض الثالث:

نحيل فيه إلى ما قاله الشيخ الألباني والشيخ الشنقيطي والشيخ القرضاوي في الجواب على الاعتراض الأول.

والله تعالى أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير